يُعدّ حيدر محمود واحدًا من أبرز رموز الثقافة الأردنية والعربية في العقود الخمسة الأخيرة، فهو شاعر بحجم وطن، وإعلامي مؤسس، ودبلوماسي مثقف، ووزير مثابر. جمع بين فن الكلمة ووقار المسؤولية، فكان صوته حاضرًا في الأثير، وفعله حاضرًا في الميدان.
ولد حيدر محمود عام 1942 في بلدة الرامة – قضاء صفد في فلسطين، لكنه نزح مع عائلته إلى الأردن بعد نكبة عام 1948، ليترعرع في بيئة مفعمة بالشجن الوطني والحنين إلى الأرض. هذا الجذر الفلسطيني ظلّ حاضرًا في وجدانه وأشعاره، وكان من أبرز ما شكّل رؤيته الشعرية والإنسانية.
تخرج في الجامعة الأردنية – كلية الآداب، قسم اللغة العربية، عام 1971، وبدأ مسيرته المهنية من باب الإعلام، قبل أن يشق طريقه نحو الشعر والسياسة والدبلوماسية.
بعد تخرّجه، التحق حيدر محمود بالعمل في إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية، وهناك لمع صوته بين جيل الروّاد، وكان من أهم الإعلاميين الذين ساهموا في بناء الخطاب الإذاعي الأردني في السبعينيات والثمانينيات.
من أبرز البرامج التي أعدها وقدمها:
"الشرطة في خدمة الشعب"
"لقاء الشباب"
"الإذاعة في خدمتك" (بالاشتراك مع الزميلة ليلى القطب)
برامج ثقافية ووطنية خاصة، وتغطيات ميدانية لمناسبات وطنية
تمتاز برامجه ببساطتها وعمقها في آنٍ واحد، وكانت نافذة للتواصل مع الناس، تعكس نبض الشارع وتلبي اهتمامات المواطن.
وبفضل صوته العذب، ولغته السلسة، وإلمامه العميق بالثقافة والسياسة، سرعان ما أصبح من الأصوات اللامعة في الإذاعة الأردنية، قبل أن يتسلّم لاحقًا منصب مدير عام الإذاعة، ويشارك في تطوير محتواها وتوسيع حضورها.
اشتهر حيدر محمود بأنه شاعر الوطن والملك، وكتب عددًا كبيرًا من القصائد التي أصبحت جزءًا من الذاكرة الأردنية الجمعية.
من أشهر قصائده الوطنية:
"يا سيدي، نحن رجال الحرس"
"أقسمت لا أهوى سواك"
"صباح الخير يا عمّان"
"بلادي بلادي"
"في حضرة الهاشميين"
وقد أُلقيت قصائده في مناسبات رسمية وأعياد وطنية، بعضها بصوته، وأخرى بصوت الملك الحسين بن طلال أو الملك عبد الله الثاني، مما عزز صفتَه كشاعر الدولة ومؤرخها العاطفي بلغة القصيدة.
لم يكتفِ حيدر محمود بالشعر الفصيح، بل كتب عددًا من الأغاني الوطنية والعاطفية، التي غناها كبار الفنانين:
من أبرز الأغاني التي كتبها:
"صباح الخير يا عمان" – غناء: عمر العبداللات
"أقسمت لا أهوى سواك"
"بلادي بلادي"
أغنية بصوت نجاة الصغيرة – وهو من القلائل الذين كتبوا لها نصًا غنائيًا
تميزت كلماته الغنائية بالجزالة والوضوح، وبقدرتها على المزج بين العاطفة والوطنية في توازن فني بديع.
في بداية التسعينيات، شغل حيدر محمود منصب سفير الأردن لدى تونس، وكان أحد السفراء الذين جمعوا بين الثقافة والسياسة، فمثّل الأردن ثقافيًا وإنسانيًا، وشارك في مؤتمرات عربية ودولية، وأسهم في بناء علاقات ثقافية مميزة بين الأردن وتونس.
كما شغل منصب وزير الثقافة في الحكومة الأردنية أكثر من مرة، أبرزها عام 2003. وخلال توليه المنصب، دعم بشكل واضح:
الحركة الثقافية والمبدعين المحليين
المهرجانات الفنية والشعرية (جرش، فيلادلفيا)
اللامركزية الثقافية وتفعيل دور المحافظات
تعزيز دور اللغة العربية والهوية الوطنية في الإعلام والتعليم
وعُرف عنه أنه وزير مثقف لا بيروقراطي، يحمل همّ الثقافة في روحه لا في منصبه فقط.
كما عُيّن عضوًا في مجلس الأعيان الأردني، وواصل من خلاله الدفاع عن قضايا الثقافة واللغة والتعليم والهوية الوطنية.
نال حيدر محمود العديد من الجوائز والأوسمة والتكريمات، منها:
وسام الاستقلال من الدرجة الأولى
جائزة الدولة التقديرية في الآداب
درع الإبداع الثقافي العربي
تكريمات محلية وعربية من مؤسسات ثقافية وصحفية وأكاديمية
ورغم مكانته الرسمية، ظل حيدر محمود قريبًا من الناس، صادقًا في انفعالاته، دافئًا في حواراته. تميز ببساطته، وابتسامته الحاضرة، وإيمانه بأن الثقافة الحقيقية تنبع من حب الوطن والناس قبل أي شيء.
أبرز دواوينه الشعرية:
"شهادتي للتاريخ"
"في حضرة الهاشميين"
"نوافذ الأمل"
"راياتك"
"الطريق إلى القدس"
"لا تسأليني عن الحب"
حيدر محمود ليس مجرد شاعر كتب للأردن، بل هو ضمير شعري ناطق باسم الدولة والمواطن معًا. صوته ما زال حاضرًا، وكتبه تُقرأ، وأغانيه تُغنّى، ومقولته الأبرز كانت دائمًا:
"أنا شاعر أردني، أكتب من هذه الأرض، وباسمها، ولها."