في مشهد الإعلام الأردني، قلّما يُذكر اسم دون أن تتردد مع نبرته جملة الختام الشهيرة: "في رعاية الله نترككم… من عمان لكم التحية… ولأردننا كل الحب"
صاحبها هو الإعلامي الكبير غالب الحديدي، أحد روّاد الإعلام الصوتي والمرئي في الأردن والعالم العربي، الذي امتدت مسيرته لأكثر من ستة عقود من المهنية والإتقان.
وُلد غالب الحديدي في عمان عام 1939، وتلقى تعليمه في كلية الحسين، حيث نال شهادة الثانوية العامة عام 1957، ثم تابع تأهيله الأكاديمي، فحصل على شهادة الإدارة العليا من معهد الإدارة العامة، كما التحق بدورة تدريبية متخصصة في إعداد الأخبار في جامعة سيراكيوز الأميركية، الأمر الذي أسهم في صقل أدواته الإعلامية وجعله من الأسماء المحترفة مبكرًا.
بدأ الحديدي مسيرته الإعلامية في الإذاعة الأردنية عام 1957، من استوديو جبل الحسين، ثم انتقل عام 1959 إلى المبنى الجديد للإذاعة بعد افتتاحه في موقعه الحالي، ليعمل مذيعًا ومحررًا ومعدًا وممثلًا إذاعيًا، متقنًا أدوات العمل الإذاعي بمستوياته كافة.
كانت الإذاعة الأردنية في تلك الحقبة واحدة من أبرز المنابر الإعلامية العربية، وشكّلت مدرسةً إعلامية للأردن والمنطقة. أبدع الحديدي في البرامج الإخبارية والثقافية والدرامية، وترك بصمة مهنية خالدة.
في عام 1964، انتقل الحديدي للعمل في إذاعة وتلفزيون السعودية، وهناك حظي بانتشار واسع في الخليج، بفضل صوته العميق وقدرته على الإلقاء المتزن، ليُصبح من الأسماء المعروفة لدى الجمهور العربي، حيث بقي في المملكة حتى عام 1975.
في تلك السنة، التقى أثناء زيارة لمدينة الرياض بالأستاذ محمد كمال، مدير التلفزيون الأردني حينها، والذي طلب منه العودة إلى الأردن والانضمام إلى كادر التلفزيون الأردني. وافق الحديدي، فعاد ليبدأ مرحلة جديدة من مسيرته الإعلامية.
ابتداءً من عام 1975، أصبح غالب الحديدي من أبرز مذيعي نشرة الأخبار الرئيسية في التلفزيون الأردني، إذ مثّل صوته وصورته عنصرًا أساسياً في المشهد الإخباري الوطني. وقد عرفه الجمهور الأردني والعربي بوقاره، ونبرته المتزنة، وحضوره المهني اللافت.في عام 1978، أُعير للعمل في التلفزيون القطري، حيث استمر هناك حتى عام 1983، ثم عاد مجددًا إلى عمان ليستكمل عمله مذيعًا أول في التلفزيون الأردني، ويقدم البرامج والنشرات ذات الطابع السياسي والوطني.
في عام 1998، التحق الحديدي للعمل في إذاعة القوات المسلحة الأردنية حيث قدّم برامج تثقيفية وتوعوية تُعنى بالشأن الوطني، وشارك في تغطية مناسبات الدولة، إلى جانب تقديم نشرات إخبارية خاصة.
كان غالب الحديدي صاحب نبرة صوت فريدة، وامتاز بفصاحة لغوية عالية ودقة في النطق والتركيب، إلى جانب هدوء في الإلقاء وثقة في التقديم. لم يكن مجرد مذيع يقرأ النشرة، بل كان متمكناً من فهم السياقات السياسية، ويعرف كيف يصوغ الخبر ويحترم عقل المتلقي.
ارتبط اسمه بنشرات الأخبار حتى صار رمزًا لها، وكانت عبارته الخاتمة:
"في رعاية الله نترككم… من عمان لكم التحية… ولأردننا كل الحب"
واحدة من أشهر الجمل التي رسخت في ذاكرة الأردنيين لعقود.
في أكتوبر 2022، قام الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، بزيارته في منزله، تكريمًا لمسيرته وعرفانًا لعطائه الإعلامي الطويل. وقد اعتُبرت هذه اللفتة تتويجًا رسميًا وشعبيًا لمسيرة أحد الروّاد.
وفي 23 مايو 2023، رحل غالب الحديدي عن عمر ناهز 84 عامًا، في مسقط رأسه بمدينة السلط، وشيّع إلى مثواه الأخير وسط حزن رسمي وشعبي كبيرين، ونعته مؤسسات الدولة، وفي مقدمتها مؤسسة الإذاعة والتلفزيون ووزارة الاتصال الحكومي.
يُعد غالب الحديدي من أركان الإعلام الأردني الحديث، وواحدًا من الذين ساهموا في تأسيس معايير الرصانة والمهنية في البث التلفزيوني والإذاعي.
وقدوةً مهنيةً لأجيال من الإعلاميين الأردنيين والعرب، الذين تتلمذوا على صوته وأسلوبه.