يُعتبر سلامة محاسنة واحدًا من أبرز الإعلاميين الأردنيين الذين ساهموا في بناء وصقل الإعلام الوطني، وتبوأ مكانة مرموقة في قلوب الجمهور الأردني والعربي، مسيرة حافلة بالعطاء استمرت لأكثر من خمسة عقود من الزمن.
وُلد سلامة محاسنة عام 1942 في قرية حرثا شمال الأردن، حيث نشأ وترعرع في بيئة محافظة تحفز على طلب العلم والمعرفة. حصل على شهادة الثانوية العامة عام 1960، ثم التحق بدار المعلمين وتخرج منها عام 1962، مؤهلًا للعمل في مهنة التعليم.
لاحقًا، تابع دراسته بالانتساب في جامعة دمشق، حيث نال شهادة الليسانس في الفلسفة عام 1966، مما ساهم في توسيع مداركه الفكرية والثقافية وفتح أمامه آفاقًا جديدة في عالم الإعلام.
في عام 1966، أعلنت الإذاعة الأردنية حاجتها إلى مذيعين جدد، فخضع أكثر من 500 متقدم لاختبارات دقيقة، وتمكّن سلامة محاسنة من التفوق على الجميع ليتم تعيينه مذيعًا في الإذاعة.
تميز بسرعة براعته في الأداء وتمت ترقيته سريعًا، ليصبح كبيرًا للمذيعين عام 1970، ثم مراقبًا على برامج المنوعات.
في عام 1974، اقترح سلامة على مدير الإذاعة فكرة تأسيس برنامج البث المباشر، الذي سمح للمواطنين بالتواصل مباشرة مع المسؤولين عبر الأثير، لعرض شكاواهم ومشاكلهم بشكل حيّ، وقد لاقى البرنامج نجاحًا باهرًا وحظي بمتابعة جماهيرية واسعة.
في نفس العام (1974)، تمت إعارة سلامة محاسنة للعمل في الإذاعة السعودية، حيث مكث هناك حتى عام 1981، مكتسبًا خبرات قيمة في بيئة إعلامية مختلفة.
بعد عودته إلى الأردن، تابع تقديم برنامج البث المباشر، ثم تم تعيينه مساعدًا لمدير عام دائرة الثقافة والفنون، كما عُيّن مدير تحرير مجلة "أفكار" حتى عام 1985.
لاحقًا، عمل مستشارًا لوزير الإعلام، ثم مديرًا لمكتب وكالة الأنباء الأردنية "بترا" في العاصمة العمانية مسقط حتى عام 1990.
بعد تقاعده من العمل الحكومي، عاد سلامة محاسنة إلى الإذاعة والتلفزيون الأردني بناءً على طلب المدير العام آنذاك، حيث عمل على نظام المكافأة حتى عام 1999. خلال هذه الفترة، كان قارئًا رئيسًا لنشرات الأخبار، وأعد وقدم برنامجًا مدته ساعة يبث مباشرة قبل نشرة الأخبار.
ثم انتقل إلى العمل في القطاع الخاص، حيث تولى منصب مدير البرامج في محطة "الصناعية الدولية الفضائية"، وقدم برنامجًا يناقش القضايا الساخنة في محافظات الأردن. كما أسس وأدار أكاديمية التدريب والتطوير الإعلامي التابعة للمحطة.
كما كتب عمودًا أسبوعيًا في صحيفتي "الرأي" و"الدستور"، وشغل رئاسة قسم الثوابت في جريدة "صوت الشعب"، ورئاسة قسم التحقيقات الصحفية في مجلة "الاقتصادية".
عمل سلامة محاسنة في إذاعة القوات المسلحة الأردنية لمدة تجاوزت السبع عشرة سنة، مقدمًا برامج إذاعية متميزة تميزت بالمهنية والاحترافية.
كما شارك في تأسيس إذاعة مجمع اللغة العربية، ويواصل تقديم البرامج اليومية والأسبوعية فيها، ليكون من الإعلاميين القلائل الذين ما زالوا يعملون بشكل يومي في الإعلام الأردني بعد هذه المسيرة الطويلة.
من أبرز ذكرياته، مشاركته في تغطية حرب 1967 حيث كان المذيع المناوب الذي قرأ بيانات القيادة العامة للقوات المسلحة خلال الأزمة.
يروي أيضًا تجربة مميزة حين تلقت إذاعته اتصالًا من مواطنة تشتكي نقص سرير طبي في مستشفى، ليتم بعدها مباشرة اتصال ملكي مباشر على الهواء لتلبية الطلب، وهو موقف يعكس قوة تأثير الإعلام وخدمة المواطن.
يؤمن سلامة محاسنة بأهمية اكتشاف وتنمية المواهب الإعلامية منذ الصغر، مؤكّدًا ضرورة الاهتمام بتدريب الأطفال على نطق الحروف الصحيحة وفنون الإلقاء، لأن هذه الأساسيات تحدد نجاح الإعلامي.
كما يلفت إلى أهمية اللغة السليمة والإعداد الجيد، كركائز لا غنى عنها لأي إعلامي يطمح للتميز.
يمثل الإعلامي سلامة محاسنة نموذجًا للإعلامي المخلص الذي خدم وطنه وأهله بإخلاص، وترك أثرًا لا يمحى في تاريخ الإعلام الأردني. مسيرته المهنية التي تمتد لأكثر من خمسين عامًا تبرز حبه للإعلام وشغفه بالعمل، وتجسّد تفانيه في إيصال صوت المواطن وقضاياه.