في ذاكرة الشاشة الأردنية، لا تغيب عفاف قضماني. إعلامية أردنية جمعت بين الحضور الطاغي والثقافة العميقة، وبين الإتقان المهني والتواضع الإنساني. امتد صوتها بين عمان والدوحة، وكانت في كل مرة تُطل عبر الشاشة أو الأثير، تمنح الكلمة بُعدًا أكبر من معناها، وتحمل رسائل لا تقف عند حدود الخبر أو البرنامج.
وُلدت عفاف قضماني في عمّان عام 1948. نشأت في بيئة تقليدية محافظة، ولكنها كانت تحمل في داخلها شغفًا مبكرًا بالكلمة والصوت، بالمعرفة والإلقاء، بالثقافة والإعلام. في زمن كان الإعلام لا يزال في طور التشكّل في الأردن، انضمت في أواخر السبعينيات إلى الاذاعة الاردنية ثم انتقلت الى التلفزيون الاردني ، لتصبح واحدة من أوائل المذيعات والمقدمات اللواتي حفرن أسماءهن في سجل المهنية والتميّز.
عرفها الجمهور أولاً من خلال نشرات الأخبار، حيث كان صوتها رصينًا، هادئًا، واضحًا، ومحايدًا. لم تكن مذيعة أخبار عادية، بل كانت تُجيد قراءة التفاصيل بين السطور، وتنقل الأحداث بلغة راقية ونبرة مسؤولة. صارت وجهًا مألوفًا للعائلات الأردنية كل مساء، وواحدة من أعمدة المصداقية في شاشة الدولة الرسمية.
لم تقتصر عفاف على الأخبار، بل امتدت تجربتها إلى باقة واسعة من البرامج، وتنوعت بين الثقافي والديني والتاريخي، ومن أبرز ما قدمت:
"الفردوس المفقود": تناول قضايا الأندلس والحضارة الإسلامية.
"في ظلال النبوة": سلطت فيه الضوء على سيرة النبي محمد ﷺ وأهل بيته وزوجاته، بأسلوب علمي وروحي متوازن.
برامج عن أعلام الإسلام مثل ابن سينا، الرازي، والخوارزمي، قدمتها بطريقة أقرب إلى السرد الوثائقي منها إلى الحديث التقليدي.
برامج منوعة خلال المناسبات الدينية والأعياد، عُرفت فيها بقدرتها على دمج الجماليات السمعية البصرية مع الرسالة الفكرية.
امتازت بأسلوب لغوي فصيح، خالٍ من التكلف، وتوظيفها المتقن للموسيقى الخلفية، جعل من برامجها مدرسة في الإلقاء والإعداد.
في عام 2006، انتقلت عفاف قضماني إلى الدوحة، بعد أن تلقت عرضًا من مؤسسة قطر للإعلام للعمل في إذاعة قطر. لم يكن الانتقال انقطاعًا، بل امتدادًا لمسيرة إعلامية حافلة.
قدمت هناك برنامجًا رمضانيًا بعنوان "شموس لا تغيب"، تناولت فيه سيرة علماء المسلمين وأثرهم في الحضارة الإنسانية. حافظت على أسلوبها المتزن، وصوتها العميق، وأسلوبها التأملي الذي ميّزها عن سائر المذيعين والمذيعات.
في 21 أكتوبر 2010، فجعت الأوساط الإعلامية الأردنية والعربية بنبأ وفاة عفاف قضماني إثر حادث دهس في الدوحة، أدى إلى نزيف دماغي حاد، فارقت على إثره الحياة في المستشفى.
تم نقل جثمانها إلى عمّان، وودّعت بمراسم خفيفة في مقبرة سحاب الإسلامية. لم يكن وداعًا يليق بتاريخها، لكن الكلمات والذكريات كانت عزاء كل من عرفها أو سمعها يومًا.
قبل وفاتها بشهور قليلة، شاركت في Jordan Awards 2010، وكانت من بين المكرّمين في الحفل الذي سعى للاحتفاء بالأصوات والتجارب الإعلامية الأردنية الرائدة. هذا التكريم الأخير كان بمثابة إقرار رسمي من الوطن بأنها واحدة من رموزه الإعلامية الخالدة.
زملاؤها في الإذاعة والتلفزيون، سواء في عمان أو الدوحة، أجمعوا على وصفها بـ"الإعلامية المتكاملة". لم تكن فقط قارئة نشرة، بل مربية أجيال في الإلقاء والإعداد والالتزام، وسيدة شاشة دون بهرجة أو استعراض.
رغم مرور سنوات على رحيلها، لا يزال صوت عفاف قضماني يُسمع في ذاكرة الأردنيين، خاصة ممن نشأوا في الثمانينيات والتسعينيات. كانت واحدة من النساء اللواتي فتحن الباب لموجات جديدة من الإعلاميات، دون أن تساوم على الهوية أو اللغة أو الجدية.