عند الحديث عن الإعلام الأردني، يسطع اسم الدكتور تركي نصار بوصفه من الإعلاميين الذين جمعوا بين الرسالة والاحتراف، وبين الصوت والموقف، وبين الميدان والمنبر الأكاديمي. وُلد في محافظة إربد، وبدأ مسيرته المهنية في إذاعة عمّان، لينتقل لاحقًا إلى ساحات القتال في الجولان، ثم إلى قاعات التدريس الجامعي، دون أن يتخلى يومًا عن مبدأه الوطني، أو صوته الراسخ في الوعي الجمعي الأردني.
التحق تركي نصار بالإذاعة الأردنية في أواخر الستينيات، وبدأ مشواره في قسم العلاقات العامة، ثم ما لبث أن لفت الأنظار بقدراته الصوتية والثقافية، فتم نقله إلى قسم المذيعين، وهناك برز صوته في البرامج السياسية والنشرات الإخبارية.
أثبت تألقه بشكل خاص خلال أحداث أيلول 1970، حيث كان أحد الأصوات التي واكبت لحظة سياسية عصيبة، فكان أداؤه متزنًا، واعيًا، يعكس مهنية عالية وقدرة على التعامل مع الأحداث بروح المسؤولية.
رغم النجاح الكبير الذي حققه كمذيع، فقد أعيد في عام 1972 إلى قسم العلاقات العامة، وذلك لأسباب شخصية وإدارية، قبل أن يُنقل لاحقًا إلى صحيفة "الرأي" بقرار فُسّر على أنه محاولة لتهميشه، رغم إشادة زملائه وجمهوره بتميّزه خلف الميكروفون.
وقد أثار هذا القرار موجة استغراب داخل الوسط الإعلامي، خاصة أن تركي نصار كان وقتها من أبرز الوجوه في النشرات الإخبارية والبرامج السياسية. وردّ مدير صحيفة الرأي آنذاك، نزار الرافعي، على القرار بعبارة تلخص كثيرًا من المعنى:
"تركي نصار ليس قلماً... بل صوت."
في حرب تشرين (رمضان) عام 1973، تم اختياره ليكون المراسل الحربي الرسمي للإذاعة الأردنية، مرافقًا للواء المدرع الأردني (اللواء 40) في جبهة الجولان السورية. وقد اختاره قائد اللواء شخصيًا، رغم وجود حكم سابق يمنعه من دخول سوريا، حيث سُلّمت له بدلة عسكرية وسيارة خاصة بدون لوحات لتجاوز هذا العائق.
وثّق هذه التجربة الوطنية في كتابه: (اردني في الجولان) عام 1973 ،يقع في 670 صفحة، ويعد من أهم الكتب التي تؤرخ لمشاركة القوات المسلحة الأردنية في الحرب. يقدّم فيه نصار شهادة ميدانية حية عن الجنود والضباط، عن تفاصيل التحرك والميدان، وعن العلاقة بين الإعلام والمعركة، والصورة والصوت.
بعد انتهاء تجربته الميدانية، حصل على درجة الدكتوراه في الإعلام، وانتقل إلى كلية الإعلام في جامعة اليرموك، حيث درّس أجيالًا من الطلبة، وأسهم في صياغة الخطاب الإعلامي الأردني الحديث.
أشرف على مشاريع بحثية، وشارك في مؤتمرات، وألّف كتبًا متخصصة، وكان له إسهام واضح في تعزيز أخلاقيات الإعلام السياسي، وربط الممارسة بالتنظير.
تركي نصار هو أحد الأسماء التي وثّقت لحظات مفصلية من تاريخ الأردن المعاصر، بالصوت، بالكلمة، وبالحضور. لم يكن مجرد موظف إذاعي، بل شاهدًا على التاريخ، وسفيرًا إعلاميًا لوطنه في زمن الحرب، وأستاذًا جامعيًا في زمن البناء.
قصة الدكتور تركي نصار ليست فقط سيرة إعلامي ناجح، بل سيرة رجل واجه التحديات بعقله وصوته، وانتصر للمهنة رغم الإقصاء، وكتب التاريخ من موقع المسؤولية لا المجاملة.