في سجل المجاهدين الذين سطّروا بدمائهم وعرقهم ملاحم البطولة في سبيل الله والوطن، يسطع اسم الشيخ هارون سحيمان بن جازي، كبير المجاهدين وشيخ قبيلة الحويطات، كرجلٍ جمع بين النسب العريق والإيمان العميق والشجاعة التي لا تعرف الانكسار.
وُلد الشيخ هارون عام 1913 في قرية أذرح بمحافظة معان جنوب الأردن، في كنف والده الشيخ سحيمان بن جازي، أحد كبار شيوخ الحويطات. منذ طفولته، نهل من إرث البادية قيم النخوة والكرامة، وتعلّم القراءة والكتابة في كتّاب العشيرة، ففتح لنفسه أبواب الاطلاع على الكتب والمجلات، وجمع بين أصالة البداوة ونور العلم.
عرفه الناس متدينًا، محافظًا على شعائر الإسلام، متطوعًا في أعمال الخير، وقياديًا حكيمًا يحل النزاعات، ويقف مع المظلوم، ويغيث المحتاج. جمع بين مكانة الزعامة ومقام العمل العام، فتولى رئاسة اتحاد الجمعيات الخيرية في محافظة معان، وشارك في عضوية العديد من الجمعيات والمنظمات الإسلامية.
لكن مجد الشيخ هارون الأكبر كان في ميادين الجهاد. فقد أدرك مبكرًا خطر المشروع الصهيوني على فلسطين والأمة، وما إن صدر قرار التقسيم عام 1947 حتى جهّز كتيبة من أبناء عشيرته وقبيلته، ودخل بهم إلى فلسطين، ليكون من أوائل الملبين لنداء الجهاد من خارجها.
عمل تحت إمرة القائد الشهيد عبد القادر الحسيني، وخاض معارك شرسة في القسطل، وبيت محسير، وساريس، ودير أيوب، واللطرون. وفي باب الواد، كتب مع رجاله صفحة من أعظم صفحات الجهاد؛ حيث أغلقوا الطريق بين تل أبيب والقدس، وكبّدوا القوات الصهيونية خسائر فادحة، وغنموا أسلحة وآليات، حتى اعترف العدو أن خسائره في تلك المعركة كانت مضاعفة مقارنةً بسائر المعارك السابقة.
رفض الشيخ هارون الانصياع للهدنة التي فرضتها الأمم المتحدة، ورأى فيها خدعة تمنح العدو فرصة للاستعداد، فواصل هجماته، متمسكًا بمبدأ أن الجهاد لا يتوقف ما دام العدو على الأرض.
في الأول من كانون الثاني عام 1979، طوى القدر صفحة حياة هذا الفارس بعد حادث سير مؤلم قرب الحسا، ليلتحق بركب الشهداء والمجاهدين، وتشيّعه جموع غفيرة في موكب مهيب إلى مثواه الأخير في أذرح.
رحل الشيخ هارون، لكنه ترك إرثًا خالدًا من الإيمان والشرف والبطولة، ليبقى قدوة للأجيال، ونموذجًا للرجل الذي عاش ومات من أجل الله والوطن.