أهم شيء في الحياة أن يضع الإنسان أهدافاً سامية نصب عينيه يسعى لتحقيقها. فالحياة من غير هدف هي هدر وضياع، وقد يعرف ذلك أكثر من غيره من يتقاعد عن عمله إذ يحتاج جهداً أكبر لرسم معالم أيامه وأسابيعه وأشهره وسنينه. وكثيرون منهم ينجحون، فلا يَضرُبهم الضجر ولا الملل، بل على العكس يكونون في تقاعدهم وفي شيخوختهم "دساماً وخضرا" ويقدمون للمجتمع والإنسانية أضاعفَ ما قدموه في الماضي.
فالهدف إذا يوجه حياتنا وَيحفّزه، ومن يفقد الأهداف في حياته تتجرد حياته من معانيها وتألقها وقوتها وحيوتها، على عكس من يكون الهدف نصب عينيه فيصوب السهام تجاهه فتصيب الهدف.
وأسمى هدف في الحياة هو نيل مرضاة الله، الذي لا يطلب منا لا ذبيحة ولا تقدمة، بل يطلب منا قلباً إنسانياً محباً يعرف الله ويعمل مشيئته، قلباً لحمياً لا حجرياً، قلباً لا يفكر بالأذى والأذية للآخرين، بل يفعل بالآخرين ما يحب أن يفعله الآخرون به. وهذا الهدف الأسمى في الحياة هو أساس كل الأهدف الأخرى وموجِّهُ لها. فكل الأهدف قد تتحقق إن اتبعنا الأساليب الإدارية في التخطيط السليم لها في علم الإدارة مع طلب بركة الرب، وأما الهدف الأسمى في الحياة فلن يتحقق إلا إذا تطلعنا دائماً إليه متسامين فوق كل التحديات والآلام والجراحات، فننسى ما هو وراء ونمتد إلى للأمام لأجل جعالة دعوة الله العليا.(في 3: 14)
نحتاج أن نتخلى عن كثير من الأمور لا بل أن نحسبها لا شيء في سبيل الوصول للهدف الأسمى، وهذا ما دعى الكثيرون أن لا يروا قيمةً لأي شيء يشكل عائقاً في سبيل معرفة الله المعرفة الحقة واختبار قوته الإلهية، لا وبل فضلوا السير في طريق التضحية والألم والموت سبيلاً في ذلك. هذا ما يحقق أيضا خلاص ونجاة عالمنا المجروح من قوى الشّر والفساد إن وجد أمثال هؤلاء الذين لا تغريهم أموال وثروات العالم، "فماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه، أو ماذا يعطي الإنسان فداء عن نفسه"
فمشكلة الشّر في العالم أنه يزداد ويقوى لأنَّ قوى الخيرلا تحرك ساكناً، ولا تفعل شيئاً بل تقعد متفرجةً ومكتفيةً بكلمات الشجب والإدانة والاستنكار. ودعوة السماءِ لنا أن نخرج من ذواتنا ومن أنانيتنا ومن دائرتنا الضيقة لنرى الأمور في دائرتها الأوسع التي تضع على عاتقنا مسؤولية العمل لأجل الصالح العام والعدالة. عندها فقط نكون نسعى للهدف الأسمى في الحياة وأن تكون حياتنا جسر عبور وصوتٌ يُحْدِثُ تغيير حقيقي وليس صوت صارخ في البرية.