في زمن تئن فيه الإنسانية تحت ركام الحرب وصمت العالم، تشرق ومضات أمل تُعيد للقلوب بعضًا من دفئها المفقود، إنهم أطفال غزة وذووهم، يصلون إلى الأردن، يحملون في عيونهم آثار الدمار، وفي أجسادهم جراح الحرب وآلام المرض. لكن في قلوبهم تشتعل شعلة حياة جديدة تمنحها أيادي الخير. مبادرة "الممر الطبي" الملكية ليست مجرد رحلة علاج، بل هي طوق نجاة لأرواح أرهقتها المعاناة، وفرصة لمستقبل يحمل الأمان والعلاج والراحة، بعد سنوات طويلة من واقع قاسٍ لا يرحم.
تحدي الإبادة: الأردن شمعة أمل لغزة
في ظل تعمّد الاحتلال الصهيوني قتل الأطفال بشكل ممنهج ومخطط له، تبرز جهود الأردن لإنقاذ أطفال غزة، مانحةً إياهم الأمل في حياة كريمة.ك، وتأتي هذه المبادرة ضمن سلسلة جهود المملكة المستمرة لاستقبال الأطفال المرضى، في محاولة لإعادة الحياة لهم بعد أن فقدوا طفولتهم البريئة تحت ركام أبشع جريمة إبادة جماعية في التاريخ، والأردن يثبت، مرة بعد مرة، أنه الملاذ الآمن والقلب النابض بالإنسانية في وجه الظلم العالمي، ليضيء شمعة أمل في عتمة غزة.
أردنيون في القلب: مكرمة ملكية تنقذ الأرواح
لا يمكن للكلمات أن تصف فيض المشاعر الذي يتجلى على وجوه الأطفال وذويهم وهم يطأون أرض الأردن، إنها مشاعر الشكر والامتنان الجارفةلجلالة الملك عبد الله الثاني، الذي مدّ لهم يد العون في وقت تخلّى فيه العالم عنهم. يصف الأهل في غزة ما يقدمه الأردن بـ "الأمل والحياة المختلفة"، فبينما أدارت دول كبرى ظهورها لمعاناة هؤلاء الأبرياء، كان الأردن، بقيادة جلالة الملك، السند والعون، حيث تجسد في علاج أبنائهم كل معاني الإنسانية والرحمة، عونًا لا يمكن للكلمات أن توفي جلالته حقه من الشكر والعرفان.
القوات المسلحة: جسر الحياة من الألم إلى الأمل
بالأمس، تجلّت الإنسانية في أبهى صورها حين أجلت القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، الدفعة السابعة من أطفال غزة المرضى، ضمت هذه الدفعة 35 طفلاً برفقة 72 مرافقاً، ليصل العدد الإجمالي إلى 112 طفلاً و241 مرافقاً. لم تكن هذه الدفعة، وهي الأكبر منذ انطلاق مبادرة "الممر الطبي الأردني" في مارس الماضي، مجرد عملية نقل، بل كانت ملحمة إنسانية نفذت وفق أعلى درجات التنسيق والرعاية الطبية، وعبر جسر الملك الحسين، وتحت إشراف فرق طبية متخصصة، انتقل هؤلاء الأبطال الصغار من جحيم الحرب إلى واحة الأمان والرعاية في المستشفيات الأردنية، بما في ذلك مركز الحسين للسرطان.
حكايات صمود: أطفال غزة يروون قصة النجاة
في عمّان، تتحول أوجاع غزة إلى حكايات أمل تُروى على ألسنة الأطفال وذويهم. صدام، ابن الثلاث سنوات ونصف، الذي يعاني من تكسر الدم، لم يتمالك نفسه من الفرح، مؤكدًا حبه للملك عبد الله الثاني الذي سيوفر له العلاج، وعمه، الذي رافقه بعد منع والديه، عبر عن عجز الكلمات أمام عطاء جلالة الملك الذي جاء في وقت خذلهم فيه العالم. سوار، التي جاءت لزراعة عين، ووالدتها التي شعرت بسعادة غامرة بأن ابنتها سترى "جنة هذه الأرض"، كل قصة تروي صمودًا لا يصدق، وإيمانًا بأن الأردن هو وطن الحب والعطاء.
جراح الجسد.. وروح لا تنكسر
أمير، ذو الثماني سنوات، الذي سرقت الحرب منه قدمه ويده اليمنى ووالده، وصل إلى الأردن بوجه متعب، لكنه سرعان ما عبّر عن سعادته بالأردن وامتنانه للملك الذي سيعيده "شخصًا عاديًا". والدته، التي بحثت عن العلاج لابنها منذ بداية الحرب في ديسمبر 2023، وجدت في مبادرة الملك نورًا أعاد لابنها الفرحة والابتسامة. أما ضحى، التي جاءت لزراعة قرنية، وعلاء، الطفل ذو السنوات الثلاث الذي يحتاج لزراعة نخاع، فكلاهما يشهدان على العطاء الأردني اللامتناهي، سواء عبر المساعدات في غزة أو المستشفى الميداني، وصولاً إلى هذه المبادرة العلاجية العظيمة.
من رحم المعاناة.. الأردن يبقى سندًا وعونًا
إن ما يقدمه الأردن، بقلب قائده الهاشمي، ليس مجرد دعم لوجستي أو علاج طبي، بل هو احتضان إنساني عميق يلامس أرواح من خذلتهم البشرية. في خضم الظروف العصيبة التي تمر بها غزة، يظل الأردن صوتًا للضمير ومرساة للأمل، متجاوزًا كافة التحديات ليقدم نموذجًا فريدًا في العطاء، وهذه المبادرة ليست مجرد أرقام، بل هي قصص حياة، ومستقبل يُعاد رسمه لأطفال لم يعرفوا سوى الألم. إنها رسالة واضحة للعالم بأن الإنسانية لا تموت، وأن الأردن سيظل دائمًا سندًا وعونًا، وأن هذه الدماء التي أُزهقت في غزة لن تذهب هباءً، ما دام هناك قلب ملك ينبض بالرحمة، ووطن يفتح ذراعيه ليضم أطفال فلسطين.