شهادة أكتبها كطالب في قسم اللغة العربية بجامعة الزرقاء
أواصل شهادتي... عرفانًا لمن علّمني
بينما أقف على أعتاب نهاية رحلتي الجامعية، وقد تبقى لي فصل دراسي واحد فقط للتخرج من قسم اللغة العربية بجامعة الزرقاء، أجدني مدفوعًا – كواجب ووفاء – لأن أكتب شهادتي بحق أولئك الذين تركوا بصمات لا تُنسى في وعيي، وتعليمي، وإنسانيتي.
ما أكتبه ليس ترفًا عاطفيًا، بل توثيق لفضل أساتذة كانت علاقتهم بالعلم شرفًا، وبالطلبة مسؤولية، وباللغة رسالة.
وفي مقدمة هؤلاء، الدكتور فتحي شديفات، الذي درسني مساق الأدب العباسي، وعلّمني كيف يُمكن أن تكون المحاضرة لحظة حياة.
الدقيقة الأولى... موعد مع الإصرار
منذ المحاضرة الأولى، أدركت أنني أمام رجل لا يتعامل مع التعليم كوظيفة، بل كقيمة.
كان يبدأ محاضرته من أول دقيقة، دون أن ينتظر.
يحضّر، يشرح، يناقش، ويتنقل بين القرون والنصوص وكأنه ما زال في عزّ شبابه، رغم ما قد تعيقه الظروف الصحية أحيانًا، ورغم تقدمه في العمر.
لكن ما كان يميّزه بحق هو هذا الإصرار: أن لا تمر دقيقة من دون علم، أن لا يغادر القاعة قبل أن يضيف لنا شيئًا جديدآ، ويزداد إيماني أن للعلم رجالًا لا تؤخرهم المتاعب، ولا تكسرهم التحديات.
لم يكن مجرد معلّم... بل إنسان يعرفنا
في تعامله، لم يكن الدكتور شديفات يضع بينه وبيننا حواجز.
رغم وقاره، كنت أراه قريبًا منّا، يبتسم، يُنصت، يقدّر، ويصبر.
لا يُشعرك يومًا بأنك "طالب عابر"، بل فرد حاضر، يستحق الاحترام.
كم طالبًا أعاد إليه الثقة بنفسه؟ وكم محاضرة تحوّلت إلى مساحة دفء وصدق؟
طريقة تدريس لا تُنسى
أما طريقته في تدريس الأدب العباسي، فكانت تجربة لا تُنسى.
لم يكن ينقل النصوص، بل يبعثها من جديد. يجعلنا نعيش مع الشاعر، ونفهم العصر، ونسمع نبض اللغة.
شرحُه كان سلسًا، لكن عميق. بسيطًا، متواصل ، لكن مؤثر.
وكثيرًا ما كنت أخرج من المحاضرة وأنا أشعر بأنني لم أدرس أدبًا فحسب، بل عشت تجربة فكرية وإنسانية حقيقية.
كلمة أخيرة... من طالب إلى أستاذه
الدكتور فتحي شديفات ليس مجرد أستاذ علّمني مادة جامعية، بل قامة علمية وإنسانية اختزلت معنى الرسالة الأكاديمية النبيلة.
وإني إذ أكتب هذه الكلمات، فإني أُواصل بها شهادتي التي بدأت بحق عدد من أساتذتي في قسم اللغة العربية.
أكتبها ليس كواجب وفاء فقط، بل لأن الذاكرة التي لا تُدوّن، قد تنسى، وأنا لا أريد لذاكرتي أن تُقصّر في حق من يستحقون الخلود في القلوب والعقول.
فشكرًا لك يا دكتور فتحي، لأنك كنت معلمًا، وأستاذًا، وإنسانًا.