محمد عبد الرحمن الخشمان، أحد الأسماء التي تركت أثرًا لا يُمحى في الذاكرة الأردنية، إعلامي ومثقف راحل، رغم رحيله المبكر عام 1980، لا يزال اسمه يتردد كأحد الرموز الإذاعية التي أضفت على الأثير روحًا ثقافية ووطنية عميقة.
ولد محمد الخشمان عام 1945 في لواء الشوبك، جنوب الأردن، في بيئة تقليدية محافظة. تلقى تعليمه الأساسي في مدارس الشوبك، ثم انتقل إلى مدينة معان لاستكمال تعليمه الثانوي، حيث تميّز في الفرع الأدبي.
شغفه بالمعرفة واللغة العربية دفعه للالتحاق بـالجامعة الأردنية – كلية الآداب، حيث تخرّج منها عام 1969. كانت هذه المرحلة حاسمة في تشكيل رؤيته الفكرية، التي انعكست لاحقًا على أسلوبه الإعلامي المتزن والراقي.
بدأ الخشمان حياته العملية معلّمًا في العقبة ثم عاد إلى الشوبك، حيث عمل في التدريس لفترة وجيزة. في عام 1972، انتقل للعمل في الديوان الملكي الأردني كمساعد لرئيس التشريفات الملكية، لكنه وجد ضالته وشغفه في الإعلام، فالتحق بـالإذاعة الأردنية، حيث بدأت مسيرته الحقيقية.
في الإذاعة، لم يكن محمد الخشمان مجرد مذيع أخبار، بل كان صانع محتوى ثقافيًا وإنسانيًا رفيعًا. قدّم العديد من البرامج التي تركت أثرًا في وجدان المستمع الأردني، ومن أبرزها:
أقلام واعدة
حديقة الأدب
مجلة الأثير
قاموس الصباح
ربوع بلادي الأردن
رجال وتاريخ
امتاز صوته بالرزانة، وأسلوبه بالدقة واللغة الرفيعة، وقدرته على المزج بين الثقافة والوعي الوطني.
كان محمد الخشمان من أوائل من أسّسوا برامج البث المباشر في الإذاعة الأردنية، وساهم في إنتاج المسلسلات الإذاعية ذات الطابع التاريخي والأدبي، ومن أشهر أعماله:
ريحانة الشرق: تناولت سيرة الشاعرة مي زيادة
محكمة الشعراء
وردة وريحان: تحوّلت لاحقًا بعض فصولها إلى مسلسل تلفزيوني
لم يقتصر نشاطه على الأردن، بل امتدت تجربته إلى:
إذاعة صوت ألمانيا (في مدينة بون، ألمانيا الغربية)
إذاعة دمشق
إذاعة موسكو – القسم العربي
أكسبته هذه التجارب رؤية إعلامية أكثر انفتاحًا واحترافًا، أثرت لاحقًا أعماله في الإذاعة الأردنية.
إلى جانب عمله الإذاعي، كتب الخشمان مقالات وتحقيقات ثقافية نُشرت في الصحف الأردنية والعربية. وقد عمل على مخطوط مشترك مع الإعلامي بهاء الدين طوقان يتناول "أصول العشائر والقبائل الأردنية"، إلا أن هذا العمل لم يُنشر.
جمعت عائلته أرشيفًا غنيًا من الوثائق والصور، يشمل:
بطاقات مدرسية وجامعية
بطاقة تأجيل التجنيد
صور نادرة من مراحل حياته
شهادات وتكريمات
وقد عرضت هذه الوثائق ضمن معرض خاص نظّمه نجله وصفي محمد الخشمان، ليبقي ذكرى والده حيّة في الوجدان الإعلامي الوطني.
توفي محمد عبد الرحمن الخشمان عام 1980، وهو في قمة عطائه، ولم يتجاوز الخامسة والثلاثين من عمره. إلا أن ما قدّمه خلال سنواته القليلة شكّل نواة مدرسة إعلامية راقية، مزجت بين اللغة والمحتوى والتوثيق والهوية الوطنية.
ما زال الخشمان يُذكَر بوصفه:
أحد أعمدة الإذاعة الأردنية في سبعينيات القرن العشرين
صوتًا مثقفًا وأدبيًا لا يُنسى
من الإعلاميين القلائل الذين أسسوا لمسار مختلف في الإذاعة يتجاوز قراءة الأخبار إلى صناعة الوعي
محمد الخشمان، لم يكن مجرد إعلامي عابر، بل كان جسرًا بين الكلمة والروح، بين التاريخ والحياة. رحل باكرًا، لكن صوته بقي في الأثير، وفي ذاكرة كل من سمعه أو عمل معه أو قرأ له.