في كل مرة يُطرح فيها الحديث عن حوار وطني ، يتكرر المشهد ذاته: دعوات تُطلق، ولجان تتشكل، وأسماء تعاد من الرفوف بألقاب مختلفة، ثم ينتهي كل شيء بلا أثر حقيقي، وكأننا نكتب في الماء.
الحوار الحقيقي لا يتم بين أطراف تتبادل المقاعد وتُردد نفس الخطاب دائمًا، ولا يُصنع داخل قاعات مغلقة مليئة بالمجاملات. بل هو لقاء بين المختلفين، بين من يملكون الرأي الآخر، والذين يمثلون نبض الشارع، لا مجرد صدى لصوت الحكومات.
كيف يُرجى من الحوار أن يُنتج حلولًا، إذا كانت الحكومة تحاور من يُكرر مقولاتها؟
كيف ننتظر نتائج مختلفة ونحن نستنسخ نفس الأدوات، ونُعيد تدوير نفس الوجوه، ونعتبر ذلك تنوعًا؟
أي جدوى لحوار يُغلق على نفسه منذ لحظته الأولى، لأنه لا يحتوي على طرفٍ فعلي آخر!
المبادرات التي تُطرح، ما لم تكن ضمن إطار واضح، ومبنية على مشاركة وجوه حقيقية تعبّر عن الناس، لا مجرد واجهات مكرّرة، فإنها مهددة بالتلاشي، كما حدث في محطات كثيرة سابقة.
ثم، كيف لنا أن نثق بحوار وطني في ظل التناقضات التي نعيشها يوميًا؟
كل أسبوع نفيٌ لقصة، وكل تصريح يناقض سابقه، بينما يُطلب من المواطن أن يُصدّق، وأن يثق؟!
نحن اليوم لا نحتاج إلى جلسات حوار شكلية، ولا إلى لجان بروتوكولية.
نحن بحاجة إلى شجاعة سياسية، واعتراف بالخلل، وجرأة في فتح الملفات المغلقة، لا إلى مسرحية جديدة تُعاد بعناوين مختلفة.
إن أردنا فعلًا أن نُعيد بناء الثقة، وأن نفتح الباب لحوار وطني حقيقي، فعلينا أن نتوقف عن مخاطبة أنفسنا، وأن نوسّع الطاولة لتشمل وجوهًا جديدة، لم تُمنح فرصتها بعد، ولم تكن جزءًا من المشهد المتكرر، لا أن نكتفي بتبديل الكراسي بين المقرّبين.
وفي النهاية أقول:
لعل أول خطوات الإصلاح .. أن نصمت قليلًا، ونُصغي لمن لم تُفتح له أبواب الكلام يومًا وأن تُمنح الكلمة لمن انتظرها طويلًا دون أن تُوجَّه له الدعوة.