بصفتي رجلٌ يؤمن بالحرية والإختلاف، ترددت كثيراً قبل صياغة هذا الكلام.
مشاهير السوشل ميديا الذين ظهروا في اخر السنوات مع تطور العالم الرقمي في الأردن، وهو أمر قد يدعوا للسعادة في بادء الأمر حيث اننا استطعنا المواكبة ومسايرة الوجه الجديد للعالم، إلا اننا وللأسف كما العادة صنعنا الأشخاص الخطأ ووضعناهم في مكان هو أكبر منهم ومسؤولياته لن يستطيعون القيام بها.
بحمدالله لم يشدني هذا الأمر ولم أؤمن بهذه الشخصيات مطلقاً، حيث لم ولن أُشرفهم يوماً بمتابعتي لهم، هذا ليس غروراً إنما معرفةٌ لقدرِ نفسي ورفضي القاطع بأن تنحدر الى مستواهم كمؤثرين واصحاب صفحات وليسَ كأشخاص، هذا الرفض القاطع لهم ليس بسبب كرهي او غيرتي لما يملكون إنما توّلد من طبيعتي كشخص لا يؤمن إلا بالشخص الذي يقدم العلم والفائدة للمجتمع ويحاول إحداث تغيير حقيقي في مستوي الإدراك، طمعاً بالفائدة.
ولكن وللأسف الشديد بعد ان قلبتُ صفحاتهم ومنصاتهم ما وجدتُ إلا قلةً قليلة من تستحق الدعم ومن تحمل في عقولها أفكاراً لها نتائج إيجابية يسعون الى تطبيقها، فجزءٌ يروج الإنحلال وجزءٌ يعرضُ الجسد وجزءٌ يسمي نفسه فنان بالرغم من كونه سارق أفكار!
والأمر الصادم أن هذه الشخصيات تملك عدد متابعين يفوق المليون شخص ولا يقل عن ال١٠٠ الف، ما يعني انه بالفعل قادر على صنع تأثير على فئة ليست بسيطة اذا نظرنا أن متابعينهم في غالب الأحيان ما بين عمر ال١٣_٢٥ سنة والتي هي عماد الوطن.
وما يدعو للإشمئزاز أكثر ان مؤسسات إعلامية كبرى داخل البلاد تستضيف هذه الشخصيات بل وتحتويها وتروج لأصحابها ومحتواهم، غاضّة البصر عن أصحاب الكفاءات والثقافة من الإعلاميين الذين لا يجدون خبزَ أطفالهم وحرموا من قوت يومهم، فأنا شخصياً أعرف أناساً داخل الأردن يملكون علوماً في شتى المجالات، علوماً لو صُدّرت الى نفس العدد من المتابعين لخلقنا جيلاً يعرف الصواب من الخطأ ويملك القدرة على المحاورة والمناقشة وحتى الإبتكار، جيل يعرف ان القراءة حياة وأنها سبيل الشعوب نحو الحرية والتقدم، مؤمنين بالإختلاف مستخدمينه بطريقةٍ سليمة مطبّقين قول الملك عبدالله الثاني
بحذافيره "الإختلاف في الرأي هو عنصر قوة وليس عنصر ضعف" طبعاً إذا أدركوا الكيفية، فمثلاً إحدى الناشطات تقدم نصائح الى المجتمع ويقتدي بها عددٌ كبير وهي أصلاً ليست أهلاً لهذا الأمر وليست قدوة حسنة ورغم ذلك تنالُ شهرةً واسعة بسبب مؤسسات شوهت شكل الصحافة وحرّفت رسالتها السامية المتمثلة بتصويب النظر نحو المشكلة ومن ثمَّ طرح الحلول، الصحافة وهي محامية الشعوب وموجهتهُ الأولى نحو الصواب!
صدقاً ما اقتنعت إلا بشخصين من هذا العالم (مشاهير الميديا)
الأول وهو يزن النوباني الذي يقدم محتوى فكاهي يحمل بين طياته رسالة الى المتابع والأخر وسام علي الذي رأيته مختلفاً عن البقية بفكره ووعيه ومحتواه، فإلى جانب كونه مراسل برنامج "ET بالعربي" في الأردن وهو النسخة العربية من البرنامج الأميركي العالمي ET، يقدم وسام كذلك المحتوى الثقافي والعلمي ومزجهُ بالأدب من خلال خواطره البسيطة التي حركت مشاعر القارئ وأثرت به، اضافة الى أنه وخلال فترة الحجر المنزلي التي شهدتها البلاد مؤخراً أوجد برنامجاً خاصاً به وأسماه "تحت الضغط مع وسام" وهو البرنامج الذي عرّى هؤلاء الأشخاص وأثبت رأيي بهم، حيث ظهرت خلفيتهم الثقافية الركيكة من خلال أسئلته المختارة بعناية وأجبرتهم على الإعتراف أمام الملأ بأنهم ليس كما يدّعون فنانين وأصحاب رسالة، أشكر وسام هذا الشاب الطموح على محاولاته المستمرة لنشر الوعي.
في النهاية لا أُلقي اللوم فقط على أصحاب الصفحات والمنصات فهم جُهال وكما ليس على المريض حرج ليس عليهم حرج، فقد وجدوا الساحة خالية لهم وانتشروا بها، إنما ألوم كل شخص ساعد في رفعهم وعمل على تمجيدهم رغم دناءة محتواهم، والوم أيضاً الأهل الذين غابت رقابتهم عن أطفالهم وانشغلوا عن تربيتهم، فكيف يعقل ان تتركوا طفلاً لم يتجاوز ال١٣ يتابع شاب يدعوا للتحرش الجنسي بفتاة لم ترتدي الحجاب، او بأنثى أظهرت مفاتنها طمعاً في الشهرة!
كتبت كل هذا الكلام أملاً في صحوة لدى الشباب رجالاً ونساء، فأنا أطلب منكم اليوم تحجيم هذه الشخصيات وإعادتها الى وضعها الطبيعي والذي أراه بعيداً كل البعد عن الإعلام برسالته السامية وعن السوشل ميديا التي أوجدت لتقديم الفائدة وليس وسيلة لنشر الفجور والإنحلال وحتى الغباء.