في المشهد الثقافي الأردني والعربي، يبرز اسم نايف أبو عبيد كواحد من الأصوات الشعرية والإعلامية القوية التي اقترنت بالكلمة الوطنية والقومية، فكان صوتًا لا يُخطئه المستمع، وحضورًا لا يغيب عن ميادين الشعر والمواقف.
وُلد نايف أبو عبيد في عام 1943 في الأردن، في بيئة مشبعة بروح الانتماء القومي والعربي. ومنذ شبابه المبكر، اتجه إلى الكلمة، يؤمن بأن القصيدة يمكن أن تكون سيفًا، وأن الإذاعة منبرًا للمقاومة الثقافية. بدأ حياته المهنية في سبعينيات القرن العشرين، عندما التحق بـالإذاعة الأردنية، وسرعان ما أصبح صوتًا مألوفًا ومؤثرًا لدى المستمع الأردني والعربي.
في الإذاعة، لم يكن نايف أبو عبيد مجرد مذيع؛ بل كان صاحب رسالة. قدّم برامج شعرية وثقافية عززت الهوية الوطنية، وأسهمت في ترسيخ مفاهيم الانتماء والحرية والكرامة. كانت صوته العميق ونبرته المتزنة تجذب المستمعين، وخاصة في المناسبات الوطنية والأعياد الرسمية، حيث ألقى القصائد وعبّر عن وجدان الشعب.
في ميدان الشعر، كان نايف أبو عبيد شاعرًا بالفطرة، يحمل بين كلماته الهمّ الفلسطيني، والحلم العربي، والوجدان الأردني. كتب بأسلوب يجمع بين القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة، وتميّز بلغة مباشرة وقوية، مشحونة بالعاطفة، وغنية بالمواقف. قصائده كانت صرخة من أجل الكرامة والحرية، وتعبيرًا عن وجع الأرض والمقاومة، وحب الوطن.
"راياتك في دمنا" – ديوان وطني بامتياز عبّر فيه عن حبه العميق للأردن.
"فدوى طوقان أنشودة الدم" – تحية شعرية للشاعرة الفلسطينية، جمع فيها بين الإكبار والدفاع عن الأرض.
"طقوس على حافة الفجر" – تأملات في الذات والوطن.
"على مذبح الحلم" – مرآة للواقع العربي الموجوع.
"أخوة التراب" – دعوة للوحدة والتلاحم العربي.
"سلامًا يا عمّان" – تغنّى فيه بالعاصمة الأردنية وتاريخها.
لم يكن نايف أبو عبيد شاعر الصالونات المغلقة، بل كان شاعر المنابر والمهرجانات. شارك في:
مهرجان جرش للثقافة والفنون.
مهرجان عرار الثقافي.
مهرجان المحبة في سوريا.
ملتقيات الشعر العربي في بغداد والقاهرة.
فعاليات اتحاد الكتّاب العرب.
مهرجانات الأدب المقاوم في لبنان.
ومثّل الأردن في أسابيع الثقافة الأردنية في الجزائر وتونس والكويت.
نال نايف أبو عبيد عدة تكريمات من وزارة الثقافة الأردنية، ورابطة الكتاب الأردنيين، والجهات الرسمية والأهلية. كان عضوًا فاعلًا في رابطة الكتّاب الأردنيين، وصوتًا صريحًا في الدفاع عن قضايا الأمة.
في 15 أغسطس 2022، غاب الجسد، لكن بقي الصوت والكلمة. رحل نايف أبو عبيد عن عمر ناهز 79 عامًا، بعد أن ترك بصمة لا تُنسى في الوجدان الأردني والعربي. ما زالت قصائده تُتلى في المحافل، وصوته يُستعاد في البرامج الإذاعية، وما زال اسمه مرادفًا للشعر المقاوم، والكلمة الصادقة.
كان نايف أبو عبيد أكثر من شاعر... كان ضميرًا ناطقًا باسم الوطن. جمع بين الشعر والإعلام، بين الحرف والموقف، وبين الماضي والراهن. وفي زمن التخاذل، بقي صوته مرتفعًا، مؤمنًا بأن القصيدة يمكن أن تحرر، وأن الكلمة يمكن أن تبني أمة.