ما زال في ذاكرة الوطن رجالٌ نقشوا أسماءهم بدمائهم الزكية على جدران القدس وأسوار باب الواد واللطرون. رجالٌ لم يطلبوا مجدًا ولا شهرة، بل لبّوا نداء الواجب يوم عزّ النداء.
أحد هؤلاء العظماء هو المجاهد البطل نزال طعمه الفرج العلي العيسى، ابن البادية الشمالية، الذي ترجل فارسًا من المفرق نحو بوابات المجد، حاملاً سلاحه وإيمانه، دفاعًا عن فلسطين والأردن، والحق العربي الأصيل.
من بادية الأردن إلى بوابات القدس
وُلد نزال العيسى عام 1921، وتفتحت عينه على معاني الفروسية والنخوة والولاء. لبّى نداء فلسطين منذ نعومة أظفاره، مقاتلًا في صفوف المجاهدين بين عامي 1938 و1943، قبل أن ينتظم رسميًا في صفوف الجيش العربي بتاريخ 6 كانون الثاني 1943، ويلتحق بقوات احتياط البادية الثانية، مقسمًا يمين الوفاء لوطنٍ وقيادةٍ لا يعرفان التراجع.
في ساحات القتال... بطل لا يعرف التردد
تنقّل العيسى بين أبرز كتائب الجيش العربي، خادمًا في وحدات النخبة: كتيبة المشاة الرابعة، كتيبة الأميرة بسمة الثالثة، لواء الملك حسين بن علي، الحرس الوطني، قوة الصحراء، ولواء عالية.
كما خدم على ثرى فلسطين في قرى بيت أُمر وطوباس ورأس كركر وقبية وبدرس، وكان قائدًا شجاعًا في العقبة، الطفيلة، وإربد.
لكن المجد الأكبر سُطّر يوم ارتقى نزال ورفاقه إلى أسوار النتردام في القدس المحتلة، ورفعوا العلم الأردني خفاقًا رغم زخات الرصاص، فكان أول من صعد البناية التاريخية، غير آبهٍ بالخطر، يلوّح براية الأردن فوق المدينة المقدسة. وقد أصيب بجراح، نُقل على إثرها إلى مستشفى ماركا العسكري، ليعود بعدها إلى القتال مجددًا.
معارك خالدة... وشهادات رجال
شارك نزال العيسى في معركة اللطرون، الشيخ جراح، باب الواد، والنتردام، ودوّن اسمه في سجل العدوان الثلاثي على غزة عام 1956، كما قاتل ضمن قوات جامعة الدول العربية دفاعًا عن الكويت عام 1962.
روى العميد بادي الرديني، في إحدى شهاداته، أن نزال وقف مخاطبًا الجنود قبل اقتحام حي الشيخ جراح قائلاً:
"يا نشامى... اختو ما تنخاذ، ومرته طالق اللي ياخذ الأرض دون اليهود!"
فكانت معركةً أسطورية استشهد فيها 16 جنديًا وجرح 20 آخرين.
وأكّد العقيد عودة السرحان أن نزال هو من رفع الراية الأردنية على النتردام، رغم كثافة النيران.
أما العميد خليف السرحان فقال:
"هو من فكّ الحصار الذي دام 14 يومًا عن البنايات المحاصرة في القدس."
رتب وأوسمة... ومجدٌ لا يذبل
رُفّع إلى رتبة ملازم عام 1958، ونال عدة أوسمة منها:
وسام الإقدام العسكري
وسام العمليات الحربية في فلسطين
وسام الخدمة المُخلصة
وسامي الدفاع والنصر البريطانيين
التقاعد بشرف... والرحيل بصمت الأبطال
طلب نزال العيسى التقاعد في 1 نيسان 1965 بعد مسيرة امتدت لأكثر من عقدين، أفناها في ميادين البطولة، لينتقل بعدها إلى ميدان الصلح والإصلاح بين الناس، ويظل خادمًا لوطنه حتى آخر رمق من حياته.
في 25 شباط 1996، الموافق 6 شوال 1417هـ، ترجل الفارس، وأغمض عينيه الأخيرة، بعد أن سطّر فصلًا من أنقى فصول البطولة الأردنية، ونموذجًا نقيًا للجندية الهاشمية.
بطلٌ من طينة الخالدين
نزال طعمه العيسى ليس مجرد اسم في وثائق الجيش، بل هو ذاكرة وطن، ورمز وفاء، ونموذج أردني أصيل في زمن الجدب والخذلان.
رحمه الله، وأسكنه فسيح جناته، وجعل من سيرته مشعلًا تهتدي به الأجيال نحو درب العزة والكرامة.