في زمن كان فيه الراديو نافذة الناس على العالم، وصوت المذيع رفيق اللحظات الخاصة والعائلية، برزت الإعلامية هدى السادات كواحدة من أبرز الأصوات النسائية التي أثرت في وجدان المستمع الأردني والعربي. لقد كانت هدى السادات صوتًا لا يُنسى، ورمزًا للرقيّ الإعلامي الذي عُرف به جيل الروّاد في إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية.
وُلدت هدى السادات في الأردن عام 1944، ونشأت في بيئة تحترم العلم والثقافة. بعد إنهاء دراستها الثانوية، التحقت بجامعة دمشق، حيث درست تخصص التاريخ، ما أتاح لها تكوين خلفية ثقافية ومعرفية رصينة انعكست لاحقًا في أسلوبها الإذاعي وحضورها المهني.
التحقت السادات بـإذاعة المملكة الأردنية الهاشمية عام 1966، وكانت من أوائل الإعلاميات الأردنيات اللواتي دخلن هذا المجال في وقت كانت فيه الإذاعة أداة الإعلام الأقوى تأثيرًا. دخلت إلى الإذاعة لا كصوت أنثوي فحسب، بل كحضور فكري وثقافي، تمكّنت من فرض مكانتها بجدارتها، لا بجنسها.
خلال مسيرتها التي امتدت لأكثر من ثلاثة عقود، قدّمت هدى السادات العديد من البرامج الإذاعية المتميزة التي تراوحت بين البرامج الفنية، والثقافية، والاجتماعية. ومن أبرز ما قدّمته:
ما يطلبه المستمعون
يعد هذا البرنامج الأشهر في سجلها، وكان يُبث بشكل منتظم ويحظى بجمهور واسع داخل الأردن وخارجه. تميزت هدى السادات فيه بأسلوبها الإنساني الدافئ في قراءة رسائل المستمعين، وكانت تُدخل المستمع في حالة وجدانية رقيقة، وهي تقدم الأغاني بناءً على الطلبات، مع تعليق بصوتها الشجي الهادئ.
كانت تختار كلمات التقديم بعناية، وتدمجها أحيانًا بأبيات شعر أو لمحات أدبية، ما منح البرنامج طابعًا فريدًا، وحوّله من مجرد طلبات غنائية إلى مساحة وجدانية تجمع بين الفن والذوق والثقافة.
ركن الأسرة
وهو برنامج اجتماعي أسبوعي ناقش قضايا المرأة والأسرة، وقد عُرفت فيه بطرحها الرصين وحرصها على تقديم نصائح توعوية بأسلوب مهذّب وعميق، مستند إلى المعرفة والتجربة.
صباح الخير
شاركت هدى السادات في تقديم هذا البرنامج الصباحي الذي كان مزيجًا من الأخبار الخفيفة والموسيقى واللقاءات، وكانت طلتها فيه تبث التفاؤل في نفوس المستمعين.
حديث المساء
وهو برنامج ذو طابع ثقافي حواري، ساهمت فيه من خلال استضافة عدد من الشخصيات الأردنية والعربية، وقدّمت فيه محاورات راقية تنمّ عن رقيّ مهني وثقافة واسعة.
كان صوت هدى السادات أشبه بمرآة لروح الإذاعة الأردنية في عصرها الذهبي؛ صوت يحمل دفء المكان وصدق الكلمة، ويتميّز بنبرة فيها وقار، وثقة، وحنان. لم تكن مذيعة تقرأ النصوص فقط، بل كانت تُضفي على الكلمة حياة، وعلى البرنامج هوية.
تميزت بقدرتها على التحكم بنبرة الصوت وتوزيع المشاعر ما بين رسالة حب، أو شوق، أو عزاء. لهذا السبب بقي صوتها حيًا في الذاكرة، رغم رحيلها.
تزوجت الإعلامية هدى السادات من المخرج الأردني المعروف زيد الكيلاني، الذي شكّل معها ثنائيًا فنيًا وإنسانيًا راقيًا في الوسط الإعلامي الأردني. وكانت حياتها الخاصة مستقرة، وعُرفت بين زملائها بأنها شخصية لطيفة، ملتزمة، ومثقفة، تحبّ عملها بصدق، ولا تسعى للأضواء بل للجوهر.
في 8 شباط 2003، غيّب الموت هدى السادات عن عمر ناهز 59 عامًا، بعد مسيرة مهنية حافلة وعطاء متواصل في خدمة الإعلام الأردني. رحلت بهدوء يشبه صوتها، لكن أثرها ظل باقيًا في ذاكرة مستمعيها، وفي تاريخ الإذاعة الأردنية.
لقد تركت خلفها أرشيفًا صوتيًا خالدًا، ومكانة خاصة في قلوب مستمعي جيل ما قبل الإنترنت، حيث كان صوتها نافذة للمحبة والحنين، ورفيقًا للوحيدين والعاشقين والحنينين إلى الوطن.
هدى السادات لم تكن مجرد مذيعة إذاعية، بل كانت مدرسة في الأداء الراقي، والإلقاء الإنساني، والالتزام الإعلامي. هي من جيل نادر اجتمع فيه الصوت والمعرفة، الحضور والصدق. ومع أن الأجيال تتغير ووسائل الإعلام تتطوّر، يبقى اسم هدى السادات من الأسماء التي لا تموت، لأنها ارتبطت في الوجدان الأردني بصوت لا يُنسى، ورسالة إعلامية لم تكن يومًا إلا صادقة.