يا لَهُ من موقفٍ يَفيضُ شهامةً ونُبلاً، ويُسطِّرُ صفحةً جديدةً من مآثر الأردنيين!
حين اعتذرت فلسطين عن المشاركة في البطولة العربية المدرسية لعجزها عن تغطية التكاليف، لم يتأخر صوتُ النخوة، ولم يغِب ضوءُ العروبة، ولم تخبُ جذوةُ الإخاء...
فما إن نُقل الخبر، حتى تقدَّم عطوفة الدكتور نواف العجارمة، رئيس الاتحاد الأردني للرياضة المدرسية، بخطوةٍ لا تُقاسُ بالبروتوكولات، بل تُوزَنُ بميزان المروءة والموقف، حين أعلن بكل تواضعٍ وكبرياء:
تكفّلُ الاتحاد الأردني باستضافة الأشقاء الفلسطينيين كاملًا، دون منّة، ولا انتظار شكرٍ أو مقابل.
هكذا هم الأردنيون... إذا سمعوا أنينَ الشقيق، فتحوا له القلبَ قبل الدار، ومدّوا له الكفَّ قبل السؤال.
هكذا عوّدتنا أرض الحشد والرباط... مواقفُها تسيرُ أمام الكلمات، وشهامتُها تسبق التصريحات.
ليست هذه الوقفةُ النبيلة غريبةً على أبناء الأردن، لكنها – في كل مرة – تُشعلُ فينا جذوةَ الفخر، وتُجدِّدُ فينا الإيمان بأن هذا الوطنَ لا ينسى قضاياه، ولا يُدير ظهره لتاريخه، ولا يتخلّى عن من يُشبهه في الجرح والمصير.
لقد جسَّد عطوفة الدكتور العجارمة بهذه المبادرة أبهى صور التضامن العربي، لا من خلال الخُطب الرنانة، بل بالفعل الصادق، والموقف الثابت، والقرار الذي ينطقُ به الضمير قبل اللسان.
قالها العجارمة لا بلسانٍ دبلوماسيّ، بل بلغة الانتماء: فلسطين ليست ضيفًا بيننا... بل هي منّا ونحن منها.
إنّ ما فعله ليس مجرد دعمٍ لمشاركة فريق رياضي، بل هو تجلٍّ لمعنى الأخوّة التي لا تهتزّ أمام الأرقام، ولا تتراجع عند العجز، بل تتقدّم بثبات حين تضعف الخيارات وتضيق السبل.
لقد أعاد هذا الموقفُ للرياضة المدرسية معناها الأصيل، حين تحوّلت ساحاتها إلى ميادين للمروءة، وأروقتها إلى منصّات للعزّة والوفاء.
وباسمي، وباسم كل من يثمّن المواقف الصادقة، أتقدّم بخالص الشكر والتقدير لعطوفة الدكتور نواف العجارمة، على هذه المبادرة التي خُطّت في سجلات الرياضة التربوية عنوانًا من نور، وبلسان عربيٍّ مبين.
كما أجدد شكري وامتناني لهذا الوطن الكريم، الذي ما توانى يومًا عن مدّ يد العون، ولا خذلَ يومًا مَن طرق بابه، ولا تأخّر عن نصرة الحق متى ناداه.
هكذا يكون الكبار عند المواقف... وهكذا يبقى الأردن، كما عهدناه، كبيرًا في فعله، عظيمًا في عطائه، أصيلاً في مواقفه، صادقًا في عروبته، وفيًّا لقضاياه، لا تُغريه حساباتٌ ضيّقة، ولا تُبدّله رياح المصالح.