رغم أن البترا المدينة الوردية وعاصمة الأنباط – لا تزال تحظى بمكانة عالمية كأحد أبرز المعالم الأثرية في العالم، إلا أن الواقع السياحي في الجنوب الأردني، بما يشمله من مواقع خلابة وتاريخ عريق، ما يزال يواجه تحديات حقيقية تتطلب تدخلاً عاجلاً واستثمارًا عادلاً يراعي مصلحة الإنسان والمكان على حد سواء.
إرث تاريخي وجغرافي لا يُقدّر بثمن
تقع البترا في محافظة معان جنوب الأردن، وهي مدرجة على لائحة التراث العالمي لليونسكو، وتضم معالم فريدة مثل "الخزنة"، "السيق"، "الدير"، و"المدرج النبطي".
السكان في قلب المشهد… وخارجه
يشكل القطاع السياحي مصدر دخل رئيسيًا لسكان الجنوب، حيث يعتمد الآلاف على العمل في الفنادق، البسطات، النقل، الإرشاد السياحي، والحرف اليدوية.
لكن وعلى الرغم من ذلك، يشكو العديد من انخفاض أعداد السياح خارج المواسم. الى جانب احتكار شركات كبرى للعوائد السياحية.
إضافة الى البطالة مرتفعة في أوساط الشباب. وغياب العدالة في توزيع المكاسب، لا سيما للعاملين في البسطات والمشاريع الصغيرة.
البنية التحتية... متعثرة والخدمات غير كافية
ورغم جهود التطوير المتقطعة – كإنشاء مركز الزوار في البترا، ومشروع الباص السريع في العقبة – إلا أن البنية التحتية تعاني من قصور واضح يتمثل في ضعف المرافق الصحية العامة.
ونقص مواقف السيارات والمواصلات الداخلية.
و تدني جودة الإرشاد السياحي وضعف التنظيم داخل المواقع.
الى جانب غياب التنسيق بين الجهات الرسمية، نتيجة تداخل الصلاحيات بين وزارة السياحة، سلطة إقليم البترا، والبلديات.
البيئة والسياحة... علاقة حساسة مهددة
تعاني المواقع السياحية، وعلى رأسها البترا، من ضغط بيئي كبير ناجم عن الازدحام خلال المواسم، وغياب الرقابة البيئية، وتزايد الزحف العمراني.
ثقافة محلية أصيلة... تبحث عن فرصة
يتمتع سكان الجنوب بإرث ثقافي غني، إلا أن العديد منهم يشعرون بالتهميش في صناعة السياحة.
النساء يشاركن من خلال الحرف اليدوية والضيافة، لكن مشاركتهن لا تزال محدودة بفعل عوامل اقتصادية واجتماعية.
أبرز التحديات التي تواجه السياحة في الجنوب (2025)
1. تراجع أعداد السياح بعد الجائحة، وغياب خطط ترويجية فاعلة.
2. ضعف التسويق الرقمي عالميًا، وانعدام التعاون مع مؤثري السفر.
3. قصور في البنية التحتية والخدمات داخل المواقع السياحية.
4. احتكار الشركات الكبرى للعوائد وضعف مشاركة المجتمع المحلي.
5. تهميش الحرفيين والباعة الصغار، وقلة الدعم الحكومي لهم.
6. تدهور الوضع البيئي داخل المواقع الأثرية.
7. أزمة مياه وخدمات أساسية يعاني منها سكان وادي موسى والمناطق المحيطة.
8. نقص التدريب وفرص العمل للشباب في القطاع السياحي.
9. تعدد الجهات الرسمية وغياب مرجعية موحّدة لإدارة المواقع.
خلاصة: نحو عدالة سياحية وتنمية مستدامة
إن النهوض بالواقع السياحي في الجنوب الأردني، والبترا على وجه الخصوص، لا يتحقق إلا من خلال رؤية وطنية شاملة تُوازن بين استثمار التراث وحماية السكان المحليين، وتضمن توزيعًا عادلًا للعوائد، مع التركيز على تطوير البنية التحتية. وتمكين المجتمعات المحلية. اضافة الى دعم الحرف اليدوية والمشاريع الصغيرة. و تنشيط السياحة البيئية. وتعزيز الترويج الرقمي عالميًا.
المدينة الوردية لا تزال تنبض بالجمال، لكن هذا الجمال مهدد إن لم يُصَن بشفافية وعدالة، وإن لم يكن للإنسان فيها "كما للحجر" حصة في المجد والحياة.