في أحد أزقة العاصمة عمّان، يقف مقهى "كوكب الشرق" شاهدًا على مرحلة زمنية حملت ملامح التنوع الثقافي والاجتماعي في الأردن، حين احتضن هذا المقهى لعقود ماضية تجمعًا فريدًا من نوعه لرعايا دول أفريقية، جاءوا إلى الأردن بحثًا عن العمل والاستقرار، ليصنعوا في قلب المدينة الصغيرة وطنًا مؤقتًا وروحًا دافئة جمعتهم رغم الغربة.
"مقهى السودانيين".. الاسم القديم الذي لا يزال حيًّا
قبل أكثر من 20 أو 30 عامًا، لم يكن اسمه "كوكب الشرق"، بل كان يُعرف شعبيًا باسم "مقهى السودانيين"، في إشارة إلى النسبة الأكبر من مرتاديه آنذاك. فقد كان يجتمع فيه مواطنون من السودان، الصومال، كينيا، ونيجيريا، ممن عملوا في قطاعات مختلفة في عمّان، فوجدوا في هذا المكان متنفسًا لتبادل القصص والذكريات، ومتابعة مباريات كأس العالم، ولعب الشدة، وتخفيف وطأة الغربة.
المقهى لم يكن مجرد مكان للجلوس أو احتساء الشاي، بل كان مركزًا ثقافيًا مصغرًا، تعبر فيه الهويات الإفريقية عن نفسها بحرية، وسط احترام وتقدير من المجتمع المحلي، الذي طالما اعتاد على التعدد والانفتاح.
مقهى صغير.. ذاكرة مدينة كبيرة
كثيرون ممن عايشوا تلك المرحلة يتذكرون جيدًا ذلك المقهى الذي جمع بين جنسيات ولهجات متعددة، حيث تختلط اللغة العربية بالإنجليزية والفرنسية واللهجات الأفريقية، في مشهد لا يتكرر كثيرًا، خصوصًا في أحياء عمّانية تقليدية.
اليوم، تغيّر شكل المقهى واسمه، وتقلّص عدد مرتاديه من تلك الجاليات، لكنه بقي يحمل في زواياه رائحة تلك الأيام. تغيرت الوجوه، لكن الذاكرة ما زالت حية، تنبض بحكايات التآلف الإنساني والتلاقي الثقافي.
درس في التعايش
إن قصة "مقهى كوكب الشرق" ليست مجرد حكاية مكان، بل درس في الاندماج والتسامح والتعددية، حيث استطاعت العاصمة الأردنية، كما هو دأبها عبر تاريخها، أن تحتضن كل من قصدها، وأن تمنحهم مساحة ليكونوا جزءًا من نسيجها الاجتماعي.
ربما لا يعرف كثيرون هذه القصة اليوم، لكن أولئك الذين عبروا في يوم من الأيام بوابة المقهى، يعرفون أنه كان لهم بيتًا، وأن الأردن كان لهم وطنًا ثانيًا.