ليست ذكرى الاستقلال محض تكرارٍ سنويٍّ لاحتفال، بل هي لحظة تتجاوز المراسم إلى تأملٍ عميق في ماهية الحرية، وفي ثمن السيادة الذي لا يُقاس بخطاباتٍ عابرة، بل يُكتب بالدم، ويُحفظ بالوعي، ويُصان بالإرادة الجمعية التي لا تنام.
في الخامس والعشرين من أيار، لا نستعيد حدثًا مضى، بل نعيد اكتشاف ذواتنا كأمة اختارت أن تكون، في محيطٍ لا يرحم، وزمانٍ لا ينتظر. الاستقلال ليس لحظة انفكاك عن الاستعمار فحسب، بل هو ولادة متجددة للهوية، وصراع يومي ضد النسيان، واصطفاف أخلاقي في صفّ الكرامة مهما تعاظمت التحديات.
لقد آمن الأردني، منذ فجر الدولة، أن الحرية ليست منحةً، بل جدارة. وأن السيادة لا تُحمل على الأكتاف إلا إذا سُقيت بالوعي، وأُسندت بالعدل، ووُجهت نحو الإنسان لا السلطة.
الاستقلال في جوهره ليس احتفالًا ماضويًا، بل مسؤولية مستقبلية؛ إذ ما لم يُترجم إلى مشروع نهضوي مستدام، يواجه الجهل بالفكر، والفساد بالشفافية، والتبعية بالتمكين، فإنه يتحول إلى ذكرى شكلية بلا روح.
فلنحمل الاستقلال على محمل الفكر لا العاطفة وحدها، وعلى محمل البناء لا الاحتفاء فقط.
ولنردد كما أرادها الأوائل:
هنا الأردن... حيث لا تُباع الإرادة، ولا تُشترى الكرامة.