مازلت أذكر اللحظة التي أخبرنا فيها الطبيب أن أبي مصاب بالسرطان شعرت اني سقطت في حفرة سوداء عميقة وعندما عاد إلى إدراكي سألته ببلاهة لماذا وانا اقصد لماذا أصيب والدي بالسرطان؟! لمحت نظرة سخرية بسيطة في عينيه وهو يقول الله أعلم لكن ربما لانه مدخن شره كما تعلمين! واضاف حاولوا انتم المقربين منه أن تقوموا بعمل فحوصات دورية لأن مخاطر التدخين السلبية أكثر من التدخين المباشر..
الغريب أن العديدين لا يعرفون أن التدخين يُعد من أبرز المشكلات الصحية والبيئية التي تواجه العالم اليوم، لما له من آثار مدمرة على صحة الإنسان، وعلى المحيطين به، بل وحتى على كوكب الأرض. ورغم التحذيرات المستمرة من مخاطره، لا يزال عدد المدخنين حول العالم في تزايد، الأمر الذي يستدعي تسليط الضوء على هذه الظاهرة من مختلف الجوانب.
أولًا: آثار التدخين على صحة الإنسان
يؤثر التدخين بشكل مباشر على جميع أجهزة الجسم، وأبرزها:
الجهاز التنفسي: يسبب التهاب الشعب الهوائية المزمن، ومرض الانسداد الرئوي، ويعد السبب الأول لسرطان الرئة.
القلب والأوعية الدموية: يضاعف من خطر الإصابة بالسكتات القلبية والدماغية.
الجهاز المناعي: يضعف المناعة، ويجعل الجسم أكثر عرضة للأمراض.
الجلد والأسنان: يؤدي إلى تسريع الشيخوخة واصفرار الأسنان وظهور التجاعيد المبكرة.
ثانيًا: التدخين السلبي وأثره على المحيطين
لا يقتصر ضرر التدخين على المدخنين فقط، بل يتعداهم ليصيب من يشاركونهم المكان، خاصة الأطفال والحوامل. فاستنشاق الدخان بشكل غير مباشر – فيما يُعرف بالتدخين السلبي – يؤدي إلى:
زيادة خطر الإصابة بالربو وأمراض الجهاز التنفسي لدى الأطفال.
ارتفاع معدلات الإجهاض ومشكلات الولادة لدى النساء الحوامل.
ارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب وسرطان الرئة لدى غير المدخنين المعرضين للدخان بشكل متكرر.
ثالثًا: التدخين والبيئة
لا تقل الأضرار البيئية للتدخين عن أضراره الصحية، وتشمل:
تلوث الهواء بالمواد السامة مثل أول أكسيد الكربون والقطران والنيكوتين.
إلقاء أعقاب السجائر في الشوارع والشواطئ، مما يتسبب في تلوث التربة والماء.
المساهمة في حرائق الغابات، حيث تتسبب أعقاب السجائر المشتعلة في إشعال آلاف الحرائق سنويًا.
إهدار الموارد الطبيعية، كاستهلاك الأشجار والماء والطاقة في إنتاج السجائر.
إن الإحصائيات الحديثة تدلل على أن التدخين لا يزال آفة عالمية واسعة الانتشار:
يبلغ عدد المدخنين حول العالم أكثر من 1.3 مليار شخص.
يتسبب التدخين في وفاة أكثر من 8 ملايين شخص سنويًا، بينهم 1.3 مليون وفاة بسبب التدخين السلبي.
وتُقدَّر قيمة تجارة التبغ العالمية بأكثر من 850 مليار دولار سنويًا.
تُنفق الدول مليارات الدولارات على علاج الأمراض المرتبطة بالتدخين.
خامسًا: كيف نقنع الشخص بالإقلاع عن التدخين؟
إقناع شخص بالإقلاع عن التدخين لا يتم من خلال التوبيخ أو التأنيب، بل يتطلب مزيجًا من الوعي والدعم. ومن أنجح الوسائل:
التوعية الصحية: عرض صور وأرقام حول تأثير التدخين على الجسم.
التأثير العاطفي: الحديث عن الأضرار التي تصيب الأطفال والعائلة بسبب التدخين.
الجانب الاقتصادي: حساب التكاليف المالية للتدخين وإظهار بدائل للاستفادة منها.
التحفيز الشخصي: تسليط الضوء على التحسن الذي يشعر به المدخن عند الإقلاع.
الدعم النفسي والطبي: تشجيعه على مراجعة طبيب أو الانضمام لبرامج علاج الإدمان.
إن التدخين ليس مجرد عادة شخصية، بل خطر عام يهدد الصحة والبيئة والمجتمع. والمجتمع الواعي هو الذي يواجه هذه الآفة بالتثقيف، والدعم، والقرارات الصارمة التي تضع صحة الإنسان والبيئة في المقدمة.