هناك أقوال وتعابير يُخلِّدها التاريخ لأنها تحمل في مضمونها قيماً روحية وإنسانية وأخلاقية ومجتمعية سامية. ومن أجمل أقوال السيد المسيح الخالدة قوله في العطاء والبذل والتضحية " أَعْطُوا تُعْطَوْا، كَيْلًا جَيِّدًا مُلَبَّدًا مَهْزُوزًا فَائِضًا يُعْطُونَ فِي أَحْضَانِكُمْ" (لو 38:6)، إذ يرى في العطاء بذارا ترتد على زارعها بالخير والنعم والبركات، ولربما هذا هو ناموس الكون الطبيعي فمن غير المتوقع أن لا تجني من ثمر وتعب يديك، أليس صحيحا أنه " من عرق جبينك تأكل خبرا"؟، فالعمل والجهد من مقومات الحياة وضرواتها، ولكنه ثقافتة تختلف من مجتمع لآخر، ولربما علينا اليوم أن نتعلم من الشعوب والأمم التي نهضت من تحت الركام بعد الحرب العالمية الثانية فاحتلت مراتب متقدمة في التقدم والتطور والإنجاز.
وكما تعودنا أن نقول نحن في لغتنا العربية بأن "العمل عبادة"، وهو كذلك، لأنه بأعمال أيدينا نمجِّدُ الخالق، لأننا نقومُ بالدورِ المنوطِ بنا بكلِّ أمانةٍ واخلاص، فالتقاعص في العمل هو خطيئة نحو الله ونحو المجتمع، تماما كما أنه خطيئةٌ للإنسان الذي يكون بمقدروه أن يفعل خيرا ولا يفعله فذلك يحسب عليه، ويحاسبه الله عليه.
وبقدر ما نعمل بقدر ما نجني، والجميل أن مردود العمل الذي هو درب من العطاء والبذل والتضحية يكونُ أضعاف مضاعفة مما بذلنا، خصوصاً إذ قدمناه في القطاع العام ولشأن الصالح العام ولخدمة الناس والوطن. يقول السيد المسيح " كيلا ملبدا مهزوزا فائضاً يعطون في أحضانكم".
فما أروع هذه الكلمات السماوية التي تجعل حياتنا عملاً وعطاء وبذلا وتضحية، ومجتمعنا يستحق منا ذلك، خصوصاً ونحن في ظل جائحة كورنا محاطين بمخاطر نقص في الغذاء العالمي فإننا مدعوين إلى العمل الجاد وسياسة الاعتماد على الذات في الزراعة وفي شتى مجالات الحياة. فلقمة العيش أصلاً تستطيب مع التعب واللقمة المغمسة بالعرق، فيحصد الإنسان ثمر يديه ويفرح بذلك فرحٌ ما بعده فرح.
ومن جهة الآخرين فإنَّ معروفَ الإحسانِ يقابل بأحسن منه، فإن لم تحملك أياديهم فستحملك قلوبهم ومحبتهم وتقديرهم بَكَيلٍ جيدٍ ملبَّدٍ مهزوزٍ وفائض.
فانشروا عبق عملكم بكل أمانة واخلاص تجاه الوطن والإنسان واحصدوا ما لم تتوقعوه وما يفوق التصور، "اعطوا تعطوا".