حين يفطن أبناؤنا في القرى والبوادي والأرياف إلى هبة الخالق مما بين أيديهم من طبيعة غنّاء، وحين يمرّون صبح مساء على الوديان والهضاب والسهول ومجرى السيول، وقد خزّنوا في عقولهم ووجدانهم الألوان والأشكال والحجوم، فإنّهم يحتاجون منّا إلى أن نعزز التفاتتهم الإبداعيّة إن هم رسموا أو نحتوا أو لوّنوا، أو حتى استلهموا دفائن الأرض وقمم الجبال في أعمال أدبية أو فنيّة، وذلك ما حصل مع الطفل معتصم سامي الحسامي ابن التسع سنوات في تطوّر شغفه باللون إلى تبنّيه مشروعاً يرمي منه إلى تعليم أبناء جيله الرسم على الأحجار عبر منصة"زوم" التي نهضت خلال الجائحة ببرامج النشاطا الثقافية والتعليمية عن بعد.
وتفرحنا ثقة الطفل الحسامي، وهو يشرح عبر فيديو الرسم على حجارة صغيرة ملساء أشبه بالصرار، ويعرّفنا على ألوان الإيكليريك، فيجعل مما هو غير ملتفت إليه من هذا الصرار الساكن الأصمّ عالماً من الفرح يعبّر عما في ذهنه من خضار في أول طلعه أو حيوانات جادّة في الحياة أو طيور ما تزال تحلّق، على بساطة المواد الأولية للمشروع: فرشاة وألوان وحجر أملس وصحن ومفرش طاولة ومجفف شعر.
إنّ سكان البوادي والقرى وهم يمرّون يومياً على الخضار والعمار والجرار والصرار وشرار الصوّان قادرون أن يفرّغوا كلّ هذا الجمال لكثرة مرورهم عليه إلى طاقات ولوحات غنيّة مصدرها الطبيعة أم الألوان وملهمة الرواة والقاصين والتشكيليين والشعراء على الإبداع.
ولا بدّ أنّ هذه الفكرة البريئة والجادة في الوقت ذاته وهي تشغل وقت الطفل الحسامي بتشجيع من أهله وذويه هي فكرة يمكن أن تتحول سريعاً إلى مشروع يلبي اقتصاديات الثقافة كمفهوم تدعو إليه وزارة الثقافة أو اليونسكو، إن نحن أخذنا بيد المبدعين الذين ينحتون من الجبال أفكارهم ويتنفسون الصبح في صعودهم وأغنامهم إلى رؤوس القلال وتصويرهم أنفسهم عبر صفحة الماء.
وإنّه لمن دواعي الفرح أن نجد صورةً جامعة لإحدى نشاطات الطفل الحسامي مع جمهوره وطلابه وأصدقائه من الأطفال عبر هذه المنصّة، وهم تروح فراشيهم وتجيء لتجعل من الحجر مقتنىً يرقى إلى رتبة جديدة في البيوت بجانب مزهريّة أو جوار مدخل يلفت الضيوف والمارّة ويعبّر عن نشأة أطفالنا على الإبداع والجمال بسببٍ من هذه الطبيعة الغنّاء.
في الواقع، ما يزال المشوار طويلاً أمام الحسامي وأبنائنا في نضوج أفكارهم وهم يخلقون نواديهم الصيفية الفاعلة عبر منصاتهم الافتراضيّة، فلا أقلّ من كلمة طيّبة تغريهم بالمتابعة والسير في وادي السير والبحاث وعراق الأمير وأم صويوينة ووادي الشتا وأم الأسود وسواها مما يخطر على بالي وأنا أرى جرأة فلذات أكبادنا في التعامل الأوليّ مع المشروع الثقافي الإبداعي الاقتصادي،.. وكما في هذه المنطقة فإنّ في كلّ قرانا في أردننا الحبيب وكلّ بوادينا ما يشدّنا إلى طاقات خلاقة مثل طاقة الطفل الحسامي، الذي يماثله كثيرون يمكن أن نفرز منهم القاص القدير والشاعر النحرير والرسام الشهير أو النحّات الذي تنزّ من أصابعه قطعٌ وألوانٌ وتحفٌ وخيوطٌ مدهشة وجميلة من كلّ أصناف الدمقس والطيلسان والحرير.