وُلد سالم كايد العبادي في العام 1949 في منطقة الصبيحي بمحافظة البلقاء، في بيت ريفي مشبع بروح البداوة والكرم والعروبة. ومنذ طفولته، أبدى شغفًا باللغة العربية، وتأثر بأصوات المذياع التي كانت تدخل البيوت الأردنية والعربية في الخمسينيات والستينيات.
أكمل دراسته الثانوية في الأردن، ثم التحق بجامعة بيروت العربية ليدرس اللغة العربية، حيث برز هناك بصوته اللافت وموهبته في الإلقاء، وبدأت ملامح مستقبله الإعلامي تتشكل.
في عام 1970، التحق العبادي بـالإذاعة الأردنية في عمّان، ليبدأ مسيرة مهنية تجاوزت الخمسين عامًا، عمل خلالها في مجالات إعداد البرامج، تقديم النشرات، إنتاج الفقرات الحوارية، والمراسلة الخارجية.
وقد تنقّل بين الأقسام، حيث أثبت قدرته على الجمع بين الأداء الإذاعي الرصين والإعداد الصحفي المتقن.
أبرز برامجه في الإذاعة الأردنية:
ليلة سمر: برنامج منوعات مسائي حواري استمر سنوات طويلة، تميز بأسلوبه الإنساني الهادئ، وكان يُبث كذلك على خطوط الطيران الأردنية والعربية.
سهرة خليجية: بثه من الكويت أثناء عمله كمراسل هناك، وضم لقاءات مع شخصيات أدبية وثقافية خليجية، ما أتاح للإذاعة الأردنية تواصلاً أعمق مع مستمعي الخليج.
مسيرة وسيرة: من البرامج الحوارية التي وثّقت قصص نجاح شخصيات عربية، وأبرزت أبعادها الإنسانية والوطنية.
إلى جانب ذلك، قدّم عشرات النشرات الإخبارية، والفقرات الثقافية والاجتماعية، وشارك في التغطيات الخاصة في فترات الأزمات والحروب.
في العام 1987، التحق العبادي بـهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) – القسم العربي، في لندن، ضمن نظام الإعارة من الإذاعة الأردنية. وهناك، أصبح واحدًا من الأصوات المألوفة للمستمع العربي في نشرات الأخبار والتغطيات الكبرى.
شارك سالم كايد العبادي في تغطية مجموعة من أبرز الأحداث المفصلية في التاريخ العربي والعالمي، من بينها الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وحرب الخليج الثانية، واتفاقية أوسلو، وغزو العراق عام 2003، إلى جانب أحداث 11 سبتمبر وتداعياتها في الشرق الأوسط. وقد أسهم صوته الواضح وأداؤه الإذاعي الهادئ والمُتّزن في ترسيخ مصداقيته لدى جمهور واسع امتد من المشرق إلى المغرب، حيث ارتبط اسمه بالموضوعية والرصانة في نقل الخبر وتحليله.
في تسعينيات القرن العشرين، التحق العبادي بإذاعة MBC FM التي أطلقت من لندن ثم دبي، وشارك في برامجها الإخبارية والحوارية، قبل أن يعود عام 2003 إلى بي بي سي العربية، ويستمر فيها حتى وفاته، متنقلًا بين البرامج والمجالات الإعلامية المختلفة.
في عام 2023، أصدر سالم العبادي كتابه الشهير "خمسون عامًا خلف الميكروفون"، الذي وثّق فيه تجربته المهنية الغنية، وسرد فيه فصولًا من مسيرته بين عمّان والكويت وبيروت ولندن ودبي، مرورًا بتجارب شخصية ومواقف مهنية وإنسانية.
في الكتاب، تحدّث عن تحوّلات العمل الإعلامي العربي، وعن تجربته في التغطية الميدانية، والعمل ضمن مؤسسات دولية، والتحديات التي واجهها كصحفي عربي يوازن بين المهنية والانتماء الوطني.
في 14 ديسمبر 2024، رحل الإعلامي سالم كايد العبادي في لندن عن عمر ناهز 74 عامًا. وقد نعت وزارة الإعلام الأردنية ونقابة الصحفيين وعدد من الزملاء والهيئات الإعلامية العربية الفقيد، ووصفت رحيله بأنه خسارة لصوت نزيه ومخلص ومهني.
أقيمت صلاة الجنازة والعزاء في مدينة السلط بمشاركة واسعة من الصحفيين والزملاء والأصدقاء الذين استذكروا طيب خلقه وبصمته الهادئة.
لقد كان سالم كايد العبادي مدرسةً صوتية وثقافية متنقّلة؛ فصدى نبرته المميزة ظلّ يرافق أجيالًا كاملة، من استوديوهات إذاعة عمّان إلى أثير BBC العربية الذي وصل كل بيت عربي. ويُعدّ العبادي ركنًا أصيلًا من أعمدة الإعلام الإذاعي في المنطقة وأحد رموز العصر الذهبي للإعلام الأردني؛ إذ ترك إرثًا مهنيًّا لا تُمحى بصماته ومسيرةً جديرة بأن تُدرَّس، فبقي اسمه نابضًا في فضاء الكلمة الصادقة.