مع اقتراب تخرّجي من قسم اللغة العربية في جامعة الزرقاء، ومع تبقّي فصل دراسي واحد فقط، وجدتني أعود بذاكرتي إلى التجارب التي تركت أثرًا حقيقيًا في رحلتي الجامعية. ولم يكن من الصعب أن أتوقّف طويلًا أمام تجربة تعلمي على يد الدكتور أحمد البزور؛ تجربة تجاوزت حدود المحاضرة والمقرر، لتصبح محطة وعي وتشكيل.
اللغة ليست مجرد مادة دراسية
منذ بداية لقائنا في قاعات الجامعة، شعرت أن هذا الأستاذ مختلف. لم يكن يكتفي بإلقاء المادة العلمية أو شرح النصوص الأدبية من زاوية أكاديمية ضيقة، بل كان يتعامل مع اللغة كما لو كانت كائنًا حيًا يتنفس، ويدعونا لاكتشافها بشغف، لا بحفظها كواجب.
لقد أعاد الدكتور أحمد تشكيل علاقتنا باللغة. لم نكن نخرج من محاضراته حاملين ملخصًا، بل كنا نخرج حاملين فكرة، ودهشة، وسؤالًا جديدًا. كانت المحاضرة معه مساحة مفتوحة للتفكير والتأمل، تضع الطالب في قلب النص، لا على هامشه.
شغف في التعليم... وصدق في الأداء
كان الدكتور أحمد يعطي كل محاضرة حقّها، لا كروتين أكاديمي، بل كرسالة يؤمن بها. كان يضيء التفاصيل الصغيرة في النصوص، ويشرح السياقات اللغوية والتاريخية بشغف نادر. لم يكن يُملي علينا الجمل، بل كان يشاركنا تجربته الشخصية مع اللغة، ليعلّمنا كيف نُحسّ ونفهم ونُقدّر.
وبينما اعتاد كثير من الطلاب على رؤية الأستاذ كسلطة، كسر الدكتور هذا الحاجز تمامًا. كان يعلّمنا وهو يجلس بيننا، يفتح المجال للنقاش والسؤال، ولا يحتكر الكلمة. هذا التواضع، المقرون بكفاءة عالية، جعل حضوره مختلفًا، واحترامنا له نابعًا من قناعة، لا من رهبة.
حين يكون التعليم رسالة
تجربتي مع الدكتور البزور جعلتني أؤمن من جديد بأن الجامعة ليست فقط مكانًا للتخصص والشهادة، بل فضاءً لصقل الوعي والذوق والإنسانية. في زمن يركّز فيه كثيرون على العلامة والتخرج، نحتاج إلى أمثال هؤلاء الذين يعيدوننا إلى جوهر العملية التعليمية: بناء الإنسان.
لقد شكّل حضوره في حياتنا الجامعية علامة فارقة، وكان واحدًا من القلائل الذين يمكن أن نقول عنهم: "تركوا أثرًا فينا". أثرٌ لا يُقاس بدرجة الامتحان، بل بقدرتهم على تغيير نظرتنا إلى اللغة، وربما إلى أنفسنا.
كلمة امتنان في زمن النسيان
في نهاية هذا المقال، لا أكتب من باب المجاملة، ولا أرجو من ورائه مصلحة. بل أكتب لأقول كلمة حق، في زمن كثر فيه النسيان، وقلّ فيه التقدير. بعض المعلمين لا يدرّسون فقط، بل يزرعون بذورًا في داخل طلابهم، تنمو لاحقًا على شكل وعي ومحبة وشغف. والدكتور أحمد البزور كان من أولئك.
ولعلّ هذه الكلمات تكون عربون امتنان بسيط، لعلّها تصل، وتبقى، وتذكّرنا دومًا بأن المعلم الجيد لا يُنسى… لأنه يعلّمك كيف تفكر، لا فقط كيف تنجح.تاذ اللغة وأخلاق المعرفة... أحمد البزور من قسم اللغة العربية بجامعة الزرقاء