محمد أمين سقف الحيط أحد أبرز الرموز التي جمعت بين الحضور الإذاعي والتأثير التلفزيوني والإدارة المهنية الرشيدة. كان صوتاً وطنياً ملتزماً، ووجهاً مألوفاً للمشاهدين، وعقلاً ساهم في رسم ملامح الإعلام الرسمي في الأردن على مدى عقود. تميز بالجرأة المسؤولة، والثقافة العميقة، والرؤية المتوازنة في زمن كانت فيه الكلمة محسوبة، والخطاب الإعلامي تحت المجهر.
ولد محمد أمين في مدينة نابلس عام 1943، في ظل واقع سياسي مضطرب، حيث عايش منذ طفولته تحولات القضية الفلسطينية. هذا الوعي المبكر بالهوية والهم العربي كان له بالغ الأثر في تشكيل شخصيته الثقافية والإعلامية. انتقل في شبابه إلى الأردن، وهناك وجد بيئته المهنية الأولى في الإذاعة الأردنية.
التحق بالإذاعة عام 1960 وهو لم يتجاوز السابعة عشرة، فكان من أوائل الأصوات التي شكلت الذاكرة الإذاعية الأردنية. بصوته الرخيم وثقته العالية وفصاحته الملفتة، سرعان ما أصبح من الأسماء المعروفة في نشرات الأخبار، وقد رافق ذلك حصوله على درجة البكالوريوس في التاريخ من جامعة بيروت العربية، ما أضفى عمقاً معرفياً على تناوله للقضايا العامة.
في عام 1965، تم انتدابه إلى مدينة جدة، ضمن فريق إعلامي أردني للمساهمة في تأسيس أول محطة تلفزيونية سعودية. شارك في إعداد النشرات والبرامج، ودرب الكوادر المحلية، وكان حضوره محطة مؤثرة في بدايات الإعلام المرئي في السعودية.
ثم جاءت تجربة مهمة أخرى عام 1971، حين انتقل إلى العمل مع إذاعة صوت أمريكا – القسم العربي، في جزيرة رودس، حيث أمضى ست سنوات اكتسب خلالها أدوات إعلامية متقدمة، وتعرف إلى تقنيات البث الغربي، وأسلوب التناول الدولي للأخبار.
عاد محمد أمين إلى عمّان عام 1977، والتحق بالتلفزيون الأردني، ليبدأ فصلاً جديداً في مسيرته. في عام 1978، تسلم إدارة دائرة الأخبار، وهي إحدى أهم المواقع الإعلامية، خاصة في مرحلة شهدت أحداثاً إقليمية ساخنة استدعت خطاباً إعلامياً موزوناً.
وفي عام 1986، عين مديراً عاماً للتلفزيون الأردني، واستمر في منصبه حتى عام 1991. شهدت تلك الفترة تحديثات ملحوظة في البنية الفنية والمحتوى البرامجي، إضافة إلى خطوات نحو الانفتاح على قضايا الجمهور، ضمن هوامش الحذر السياسي السائدة آنذاك. تعامل بحنكة مع تعقيدات المشهد الإعلامي، محافظاً على المهنية دون التفريط بالثوابت الوطنية.
بعد مغادرته التلفزيون، عين مستشاراً في وزارة الإعلام عام 1992، حيث كلف بالإشراف على رقابة الأشرطة الإعلامية، وهي مهمة شائكة تحتاج إلى توازن دقيق بين حرية التعبير ومتطلبات الرقابة الرسمية.
ثم تولى عام 1993 منصب مدير عام دائرة المطبوعات والنشر، ليكون في صلب النقاش الوطني حول قوانين الصحافة والنشر. كانت سنواته الخمس في هذا الموقع حافلة بالقرارات الصعبة، إذ واجه ضغوطاً من الإعلاميين والنواب، وسعى جاهداً للبحث عن توازن بين حرية الصحافة والمصلحة العامة، في وقت كانت فيه الصحافة الأردنية تمر بمنعطف حساس.
وفي آخر سنواته، عين أميناً عاماً لوزارة الإعلام، وظل يشغل هذا المنصب حتى وفاته المفاجئة عام 1998، عن عمر ناهز 55 عاماً، وهو لا يزال على رأس عمله، ما يعكس التزامه المهني حتى اللحظة الأخيرة.
رغم مسؤولياته الإدارية، لم يغب محمد أمين عن الشاشة، حيث قدم برنامج "ريبورتاج الأسبوع" على شاشة التلفزيون الأردني، والذي تميز بطرحه الجريء لقضايا محلية، وانتقاده لأداء بعض المؤسسات، في زمن كانت فيه حرية التعبير محدودة. استطاع أن يجعل من البرنامج نموذجاً للإعلام المسؤول، الذي يمارس النقد دون تجاوز، ويخاطب الرأي العام بثقة واحترام.
نال محمد أمين وسام الاستقلال من الدرجة الثانية تقديراً لعطائه الطويل، وشارك في مؤتمرات إعلامية محلية وعربية، وكان ينظر إليه كخبير في سياسات الإعلام، وصاحب رؤية إصلاحية. ترك خلفه إرثاً من المهنية، والنزاهة، والشجاعة، والتوازن، وظل اسمه حاضراً في ذاكرة الإعلاميين كأحد أبرز وجوه الإعلام الأردني الرسمي في النصف الثاني من القرن العشرين.
حين يكتب تاريخ الإعلام الأردني، فإن محمد أمين سقف الحيط يعد من أركانه الأساسية، لا لأنه شغل مواقع قيادية مهمة فحسب، بل لأنه كان من الإعلاميين القلائل الذين جمعوا بين الكلمة الرفيعة، والموقف المسؤول، والبصيرة الثقافية. كان مثالاً للإعلامي الذي يتكئ على الوعي، ويقود بالحكمة، وينتقد بالمسؤولية. وسيظل اسمه علامة فارقة في سجل إعلام التزم بمصالح الوطن، ولم يتخل عن صوت الناس.