في ذاكرة الأردنيين والعرب، تلمع أسماء قلائل ارتبطت بشاشة التلفزيون كما ارتبط اسم الإعلامي رافع شاهين، الذي كان لسنوات طويلة وجهًا مألوفًا، وصوتًا محبوبًا، ونافذة للمعرفة والمتعة معًا. كان رافع شاهين من أوائل من تحدّثوا إلى الكاميرا الأردنية، وأحد أبرز من جعلوا برامج المسابقات الثقافية جزءًا أصيلًا من ثقافة البيت الأردني والعربي، قبل أن تغمر الشاشات موجات البرامج المعربة والمستوردة.
وُلد رافع شاهين في مدينة بيسان الفلسطينية عام 1943، وفي أعقاب نكبة عام 1948، اضطرت أسرته إلى مغادرة ديارها قسرًا، لتستقر في مدينة الزرقاء بالأردن، وهي المدينة التي شكّلت وجدانه واحتضنت نشأته المبكرة.
عاش شاهين طفولة صعبة في ظل ظروف معيشية قاسية. ولأنه كان الابن الأكبر في عائلة من اللاجئين، فقد تحمّل مسؤوليات مبكرة، فعمل في سن صغيرة خلال العطل الصيفية، بائعًا للبن تارة، وبائعًا للصحف تارة أخرى، كما عمل في صالون للحلاقة، ليساهم في إعالة أسرته.
ورغم التحديات، برز منذ المراحل الأولى في المدرسة، حيث أظهر اهتمامًا خاصًا بالنشاطات اللاصفية، وكان من الأصوات المتميزة في الإذاعة المدرسية. شارك في احتفالات ومناسبات وطنية، واستطاع أن يكون من أبرز الطلبة حضورًا وتأثيرًا، بفضل صوته الواضح وذكائه الاجتماعي.
التحق رافع شاهين بالإذاعة الأردنية لفترة قصيرة، لكنه سرعان ما انتقل إلى التلفزيون الأردني في عام 1968، مع انطلاقته الرسمية، ليصبح أحد أوائل الوجوه التي ظهرت على الشاشة. بل يُعتبر أول مذيع تلفزيوني أردني من الذكور يقدم البرامج على الهواء، وهي سابقة سجّلها التاريخ باسمه.
في بداياته، قدّم برامج منوّعة، كان أبرزها:
السيرك العالمي
عالم المصارعة
الرياضة والشباب
تميّز بأسلوبه المباشر، وصوته الجهوري، وقدرته على الإمساك بانتباه المشاهد. وقد تولى التعليق على المباريات والفعاليات الرياضية، وكانت له لقاءات مميزة مع فنانين وشخصيات اجتماعية بارزة.
مع بداية السبعينات، بدأ رافع شاهين يأخذ مسارًا جديدًا في الإعلام، مسارًا ابتكره وتفرّد به: برامج المسابقات الثقافية.
كانت بدايته مع برنامج "سين جيم"، الذي أعدّه بالتعاون مع المذيع شريف العلمي، ثم تبعه برنامج "جرب حظك" الذي انطلق عام 1975، وكان نقلة نوعية في التفاعل بين الشاشة والجمهور.
لكن البرنامج الذي حفر اسمه في ذاكرة العرب كان برنامج "فكر واربح" الذي بدأ في مطلع التسعينات، ولاقى رواجًا واسعًا قبل ظهور الفضائيات. وقد جمع البرنامج بين البساطة والمتعة والثقافة، وأصبح نافذة أسبوعية يتابعها الصغار والكبار، ويتفاعلون معها عبر الهاتف أو البريد، كما نال شهرة إقليمية.
ويُذكر أن النسخة الأولى من "فكر واربح" كانت من إعداد وتقديم الإعلامي عمر الخطيب عام 1969، لكن رافع شاهين أعاد تقديمه بأسلوب أكثر تفاعلية، جعل منه علامة مسجلة باسمه.
في عام 1980، أطلق برنامج "مواهب"، الذي جال مختلف المحافظات الأردنية بحثًا عن المتميزين في الفن والعلم والرياضة. استمر البرنامج حتى عام 1982، وأسهم في إبراز طاقات شبابية كثيرة، لا سيما من المناطق النائية.
استمر شاهين في تطوير المحتوى، وقدّم برامج جديدة خلال التسعينات، منها:
"عشرة على عشرة" (1995)
"نعم صحيح" (1996)
"نحو القمة" (1998)
جميعها تمحورت حول الثقافة، والتفكير، والحوار الإيجابي، في قالب تفاعلي محترم.
في عام 2000، انتقل رافع شاهين إلى التلفزيون السوري وقدم برنامجًا بعنوان "جائزة المليون ليرة"، الذي لاقى نجاحًا لافتًا، قبل أن يعود مجددًا إلى شاشة التلفزيون الأردني.
وخلال تلك الفترة، كُلّف بالإشراف على برامج مسابقات ثقافية بثتها شاشات تلفزيونات في دول الخليج العربي، ما يعكس الثقة العالية بخبراته، وكونه مرجعًا في هذا النوع من البرامج.
بفضل مكانته، شغل شاهين مناصب رسمية في الدولة، أبرزها:
مديرًا للإذاعة الأردنية عام 1988
مستشارًا في رئاسة الوزراء عام 1989 في حكومة دولة الدكتور عبدالسلام المجالي
كان يحظى باحترام كبير من المسؤولين والزملاء، وكان يُعرف بدقته وانضباطه، إلى جانب ابتسامته الدائمة ومحبّته للجميع.
في أواخر عام 2000، أُصيب شاهين بمرض سرطان المعدة، وخضع لعملية استئصال للمعدة، لكنه لم يتمكن من التغلب على المرض.
توفي صباح يوم 4 آذار 2001، عن 58 عامًا، وشُيّع من مسجد الملك عبدالله الأول في العبدلي، بحضور لافت من الإعلاميين والفنانين والمواطنين الذين أحبوه.
ما تركه رافع شاهين يتجاوز البرامج والألقاب. لقد أسس لثقافة إعلامية قوامها الاحترام والمعرفة والترفيه النظيف، وأوجد علاقة فريدة بين الإعلام والجمهور.
سعى ابنه د. حسان شاهين لاحقًا إلى إعادة تقديم إرث والده من خلال أفكار تلفزيونية حديثة تحاكي روحه الأصلية، لكن بلغة العصر.