هل يدفع الأردن ثمن حرب لم يخضها؟...من مضيق هرمز إلى جيب المواطن الأردني: هكذا تتدحرج كرة النار*
في ظل تحول الضربات المحدودة الى مواجهة عسكرية بين أيران والكيان الصهيوني والتي بدأت بطابع إقليمي لتتحول الى حرب ذات اهداف جيوسياسية أخذت تتشكل ملامح التوازنات الاستراتيجية الجديدة بين دول المنطقة لتترك بصماتها العميقة على الاقتصاد العالمي ابتداء من دول الإقليم القريبة ومنها الأردن على وجه الخصوص والذي يتأثر اقتصاده حكما بسبب تشابك علاقاته وتحالفاته المعقدة مع الدول المتصارعة.
ومنذ اللحظة الأولى للمواجهات، ظهرت تداعيات الأزمة على أسواق الطاقة العالمية أولا وهو أمر طبيعي فأي توتر في منطقة الخليج والتي لا زالت تحت التهديدات الصريحة والضمنية الإيرانية بضرب حقول النفط والمصالح الامريكية فيها، يضع الاقتصاد الدولي أمام حالة من الهشاشة الشديدة.
أما الأردن والذي يدفع دوما ثمن حروب وصراعات عسكرية كانت او سياسية لم يخضها، فإن تداعيات الحرب تبدو ثقيلة ومتعددة الأوجه ، فعلى المستوى الاقتصادي تعتمد المملكة بشكل كبير على استيراد الطاقة، ومع ارتفاع أسعار النفط والغاز، تدخل الحكومة الأردنية في أزمة مزدوجة: من جهة ارتفاع كلفة دعم المحروقات والكهرباء، ومن جهة أخرى ضغط شعبي لعدم رفع الأسعار، ما يزيد من عجز الموازنة ويضع صناع القرار في موقف معقد فيما تبقى اتفاقية الغاز بين الأردن والكيان الصهيوني والتي تُعد مصدرًا رئيسيًا للطاقة حاليًا، مهددة في حال تعرض البنية التحتية الإسرائيلية لأي هجوم مما يدفع الأردن للبحث عن بدائل أعلى كلفة وأكثر استقرارًا.
ولا يزال الأردن يحاول العمل للحفاظ على توازنه الجيوسياسي الدقيق، إذ يسعى للبقاء على علاقة جيدة مع الولايات المتحدة والغرب، وفي الوقت ذاته يتجنب الانخراط المباشر في أي محور إقليمي قد يجلب له تبعات أمنية أو سياسية.
وبدأت التداعيات الفعلية للصراع بالظهور على الأرض بعدما أوقف الكيان الصهيوني فعليًا ضخ الغاز من حقل " "ليفياثان" البحري كإجراء أمني تحوّطي في ظل التصعيد العسكر حيث يُعد هذا الحقل أحد المصادر الرئيسية التي تزود الأردن بالغاز الطبيعي المستخدم في توليد الكهرباء.
هذا التوقف المفاجئ، وإن كان مؤقتًا في الظاهر، سلّط الضوء على هشاشة الاعتماد الأردني على مصدر طاقة خارجي مرتبط بخصم سياسي وعسكري في قلب صراع إقليمي دائم.
وفي ضوء ذلك، يؤكد مختصون أن هذه الحادثة يجب أن تُعجّل من تبني استراتيجية وطنية شاملة لتنويع مصادر الطاقة محذرين من أن استمرار الأزمة قد ينعكس كافة القطاعات المرتبطة به مما يسبب تباطؤ في وتيرة النمو الاقتصادي.
وهنا نؤكد أن توقف ضخ الغاز من "ليفياثان" أعاد فتح ملف الجدل السياسي والشعبي حول اتفاقية الغاز الموقعة مع إسرائيل، والتي واجهت منذ البداية اعتراضات واسعة في البرلمان والشارع الأردني. ويرى مراقبون أن الحادثة تثبت هشاشة الاعتماد على خصم سياسي كمصدر رئيسي للطاقة، في منطقة لا تعرف الاستقرار طويل الأمد كما أنه كشف عن ثغرة استراتيجية في منظومة الطاقة الأردنية، ودق جرس الإنذار بشأن الاعتماد على مصدر واحد للطاقة في منطقة شديدة التقلب. وقد تكون هذه الأزمة، رغم كلفتها، فرصة لإعادة التفكير الجاد في بناء أمن اقتصادي وطني مستدام وذاتي، يُحصّن الأردن من الصدمات الجيوسياسية في المستقبل.