لم يكن الفتى القادم من بلدة النقيرة بلواء الموقر يدرك أن خطواته الأولى نحو العسكرية ستقوده يوماً إلى قمة المجد في ساحات الشرف والبطولة، أو أن اسمه سيُكتب في سجل الخالدين من أبناء الجيش العربي.
إنه اللواء الركن المتقاعد ماجد محمد الزهير، رجل حمل الوطن في قلبه، والسلاح على كتفه، ومضى يخدمه بصمت الكبار وكبرياء المقاتلين.
البدايات... بين الصفوف الأولى والتحديات الأولى
حين التحق الزهير بصفوف القوات المسلحة الأردنية، لم يكن يطلب رتبة أو شهرة، بل فرصة ليهب عمره للأردن.
تسلح بالانضباط والإرادة، فسرعان ما لمع اسمه بين زملائه من قائد سرية، إلى قائد كتيبة، إلى قائد لواء دروع، وصولاً إلى قيادة المنطقة العسكرية الوسطى بالإنابة... مواقع لا ينالها إلا من صقلته التجربة وأثقلته المسؤولية.
فيصل الدروع... المدرسة التي صنعها بعزيمته
حين تولى قيادة لواء المدرع، لم يكن مجرد قائد، بل صانع فرق ومُهندس أداء قتالي متميز.
بنى منظومة من الحديد والرجال، وترك بصمة لا تزال تُروى في أروقة المعسكرات، كما تُروى مواقفه الإنسانية بين الجنود. يروى أحدهم: "كان صلبًا في التدريب، لكنه أكثرنا حنانًا في لحظة ضعف أو مرض."
العَلم في المهجر... والدور الممتد خارج الحدود
انتقل الزهير من الميدان إلى ساحة أخرى لا تقل شرفًا، حين عُيّن ملحقًا عسكريًا في سلطنة عُمان، في العاصمة مسقط. هناك، جسّد صورة العسكري الأردني في ثوب الدبلوماسي، فبنى الجسور بين جيشين شقيقين، محتفظًا بروح الجندية رغم اختلاف الزي.
"القائد الذي لم يصرخ على جندي جائع"
هكذا وصفه أحد جنوده. يروي أنه في يوم لم يكن فيه طعام كافٍ في المعسكر، لم يغضب الزهير، بل وقف بين جنوده، وأقسم أن لا يأكل حتى يأكلوا. لم يكن قائداً عادياً، بل أبًا وأخًا ورفيقًا.
على خطى والده... من الإرث إلى الرسالة
ماجد الزهير هو نجل القاضي العشائري المعروف المرحوم الشيخ محمد الزهير، أحد أبرز رجال الإصلاح والعرف العشائري في الأردن والجزيرة العربية.
وكما حمل الأب قضايا الناس، حمل الابن قضية الوطن.
الآن... رجل بحجم وطن
اليوم، وبعد تقاعده، لا يزال ماجد الزهير يحمل روحه العسكرية في مواقفه.
يتنقل بين الفعاليات الوطنية، يساند المتقاعدين العسكريين، ويتحدث عن رفاقه الذين ارتقوا شهداء، كأنهم لا يزالون في صفوفه.
يلتقي الناس بتواضع الجندي ووقار اللواء، ويمشي في الميدان كأن الوطن لا يزال يناديه.