خلاصات ما قدمته من مداخلات في مؤتمرين حول قانون النزاعات المسلحة في سويسرا أكدت أن الرعاية الطبية في مناطق النزاع ليست مجرد استجابة إنسانية، بل هي جزء من استراتيجية أمنية وإنسانية متكاملة. إن غياب التخطيط العلمي والتنسيق الدقيق يؤدي إلى فقدان 40 ٪ من القدرات الطبية الفعّالة خلال الأسابيع الأولى من العمليات الإغاثية، مما يعرّض الأرواح للخطر.
تحضير مستشفى إغاثي ليس مجرد قرار سياسي أو مبادرة إنسانية، بل هو عملية علمية متكاملة قائمة على تحليل المخاطر، وضبط الموارد، واستراتيجية الاستجابة. خلال العقد الأخير، أظهرت البيانات أن 78 ٪ من المستشفيات الميدانية التي تفشل في أداء مهامها تعاني من ثلاث مشكلات رئيسية: سوء التخطيط اللوجستي، انقطاع الإمدادات، وغياب التكامل مع المجتمع الطبي المحلي.
الخدمات الطبية الملكية، من خلال خبراتها الممتدة في مناطق النزاع والكوارث الطبيعية، طورت نموذجًا متعدد المراحل يضمن ليس فقط التدخل الفوري، بل استدامة الرعاية الطبية ضمن بيئات معقدة. هذا النموذج يعتمد على التقييم الدقيق للوضع، التخطيط المحكم، التنفيذ الفوري، وضمان استمرارية الخدمة الطبية حتى بعد انتهاء مهام البعثة الرسمية.
1. الرؤية الاستراتيجية: إشراف القيادة العليا على التفاصيل .
* المتابعة اليومية: تحضير مستشفى إغاثي هو عملية ديناميكية تحتاج إلى توجيه مباشر من أعلى المستويات القيادية لضمان استجابة تتناسب مع حجم الأزمة. في آخر خمس بعثات طبية إغاثية، تم عقد ما يزيد عن 35 اجتماعًا تنسيقيًا على أعلى المستويات قبل وأثناء العمليات، لضبط الاستراتيجيات وفقًا للواقع الميداني المتغير.
* آلية التغذية الراجعة: لضمان استمرارية التكيف مع الأوضاع، يتم إصدار تقارير تقييم دورية كل 48 ساعة خلال الأسبوع الأول من التشغيل، ثم أسبوعيًا بعد استقرار المستشفى. هذه التقارير تشمل تحليلًا للأداء الطبي، كفاءة الإمداد، وسرعة الاستجابة للحالات الطارئة.
* التنسيق السياسي والأمني: في مناطق النزاع، لا يكفي وجود مستشفى ميداني مجهز، بل يجب تأمين وصول الطواقم والمعدات وحماية المرافق الطبية من أي تهديدات محتملة. لذلك، يتم التنسيق مع الجهات الرسمية والمنظمات الدولية لضمان مرور آمن للأطقم الطبية، وضبط حركة الإمدادات، وتوفير بيئة تشغيل مستقرة نسبيًا.
2. التخطيط العلمي: جمع أكبر عدد من المعلومات والمقارنات لتقييم الحاجة والمخاطر .
* المعاينة الميدانية الأولية: يتم إرسال فرق استطلاع خلال 72 ساعة من وقوع الأزمة لجمع بيانات مباشرة حول نوعية الإصابات، عدد المتضررين، البنية التحتية الصحية المحلية، والمخاطر البيئية.
* مقارنة الأوضاع بالأزمات السابقة: يعتمد التخطيط على دراسة سيناريوهات الأزمات المشابهة خلال السنوات الماضية، حيث تتم مقارنة:
- طبيعة الإصابات وشدتها مقارنة بالكوارث المشابهة.
- معدلات الإصابة بالأمراض المعدية وفقًا للظروف البيئية.
- مدى قدرة المستشفيات المحلية على التعامل مع الأزمة مقارنةً بمواقف سابقة.
- نسبة السكان الذين قد يحتاجون إلى خدمات طبية طويلة الأمد.
* تحليل مصادر التهديد المحتملة:
- عوامل طبيعية مثل الفيضانات، الزلازل، أو درجات الحرارة القصوى وتأثيرها على تشغيل المستشفى.
- عوامل بشرية مثل النزاعات المسلحة، إمكانية استهداف المنشآت الصحية، وتوافر الطواقم الطبية المحلية.
- نقص الموارد، بما في ذلك المياه النظيفة، الأدوية، والكهرباء، وتأثير ذلك على استمرارية تشغيل المستشفى.
3. الإمداد والاستمرارية: ضمان عدم توقف المستشفى .
* مستودعات طوارئ تكفي لـ 90 يومًا: تتضمن الأدوية الحيوية، مواد التعقيم، المستلزمات الجراحية، والمواد الغذائية الأساسية. يتم تحديث هذه المستودعات
* نظام إمداد متنقل: يتضمن آليات نقل سريعة ومرنة لضمان وصول الإمدادات إلى المستشفى في أقصر وقت ممكن، حتى في الظروف الصعبة.
* خطة استمرارية تشغيلية: تتضمن مستويات استجابة متعددة، بدءًا من الاستجابة الفورية للأزمات، وصولاً إلى خطط طويلة المدى لضمان استدامة العمليات الطبية.
4. ترحيل المرضى: قرار طبي واستراتيجي .
* نظام فرز طبي لتحديد أولويات النقل: يتم تصنيف المرضى بناءً على شدة حالتهم الطبية، مما يضمن تقديم الرعاية الأكثر إلحاحًا أولاً.
* تأمين ممرات إجلاء طبي بالتنسيق مع المستشفيات الإقليمية: يتم التنسيق مع المستشفيات المحلية والإقليمية لتأمين ممرات آمنة لنقل المرضى، وضمان استيعابهم في المنشآت الطبية المناسبة.
5. التعاون العلمي مع المجتمع الطبي المحلي: الاستثمار في البقاء .
* تدريب الطواقم المحلية وإشراكها في العمليات الجراحية: يتم تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية للطواقم الطبية المحلية، مما يعزز من قدراتهم ويضمن استدامة الرعاية الطبية بعد انتهاء البعثة.
* تقديم برامج تدريبية متخصصة لتعزيز القدرات: تتضمن هذه البرامج تدريبًا في مجالات مثل الجراحة الطارئة، العناية المركزة، وإدارة الأزمات الصحية.
6. التعاون المدروس مع المبادرات الدولية: تحقيق الهدف المشترك دون فقدان الهوية .
* شراكات مع منظمات دولية لدعم الإمدادات وتبادل المعرفة: يتم التعاون مع منظمات مثل الصليب الأحمر ومنظمة الصحة العالمية لتوفير الإمدادات الطبية وتبادل الخبرات.
* التفاوض لضمان عدم تسييس المساعدات الطبية: يتم التأكيد على حيادية الرعاية الطبية، وضمان وصول المساعدات إلى المحتاجين دون تدخلات سياسية.
7. أخلاقيات المهنة في مناطق النزاع: الحياد كضرورة .
* الالتزام بمبدأ عدم التمييز في تقديم الرعاية: يتم تقديم الرعاية الطبية لجميع المرضى بغض النظر عن خلفياتهم العرقية، الدينية، أو السياسية.
* حماية المستشفيات والفرق الطبية من الاستغلال السياسي أو العسكري: يتم اتخاذ تدابير لضمان عدم استخدام المنشآت الطبية لأغراض غير إنسانية، والحفاظ على حيادها.
خاتمة
إن تحضير مستشفى إغاثي يتطلب تنسيقًا دقيقًا بين التخطيط العلمي، والموارد البشرية، والإمدادات الطبية. ومن خلال اتباع استراتيجيات مدروسة، يمكن تقديم رعاية طبية فعّالة في بيئات النزاع، مما يساهم في إنقاذ الأرواح وتخفيف المعاناة الإنسانية.