تتعرض المجتمعات كافة لكثير من المستجدات سواء تلك التي تحصل بعيدا عنها أو التي تحصل على ساحتها وتكون ذات تأثير مباشر عليها . ويعتمد تكيف أي مجتمع مع هذه المستجدات على كفاءة الهياكل التي تنظم وتضبط طريقة عمل مؤوسساته وسلامة سلوك القائمين على هذه المؤوسسات .
شهد التاريخ الانساني وعلى فترات مختلفة ثورات تجديدية كبرى ،أثرت تأثيرا جذريا ليس على المجتمعات التي حصلت فيها فحسب ، بل على المجتمعات الأخرى البعيدة عنها كذلك ،ونسوق مثالا على هذه الثورات ،ثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات، والتي عززت سيطرة من امتلك أدواتها وعناصرها الرئيسية (المعرفة العلمية والتقنية ،الموارد البشرية المؤهلة ،رأس المال الكبير ،الأسواق)هذه الأدوات والعناصر ساعدت من يمتلكها من الدول على فرض سياسته على الدول الأخرى التي لم تتمكن من تعزيز حظوظها في هذا المجال ،ولعل هذه الثورة لا تختلف كثيرا في تأثيرها عن الثورة الصناعية والتي أدت الى فرض هيمنة دول الشمال على دول الجنوب ،بحيث رفعت من قدرات الدول الصناعية الانتاجية فيما أفقدت كل فرص النهوض لدول الجنوب لتحسين إنتاجها وبالتالي بقيت قدراتها تراوح مكانها.
تغيير جذري آخر يلوح في الأفق يدلل عليه ما يشهده العالم الآن نتيجة جائحة (كورونا)من أزمة إقتصادية عالمية أدت لخسائر وإن تفاوتت بتاثيرها على الدول الا إن الجميع قد عانى وجميع اقتصاديات الدول قد واجهت تحديات . زاد من حدة التأثير الصراع الإقتصادي المعلن بين أكبر إقتصادين في العالم الاقتصاد الامريكي من جهة والصيني من جهة أخرى .مما يعني أن هذه الجائحة ستفرض على العالم تغييرا جديدا ، سيدفع البعض للاعلى والبعض الاخر سيدفع تجاه المعاناة .وعلى الدول التي ترغب بالتقليل من اضرار هذه الجائحة أن تكون على سوية عالية في إدارة هذه الازمة .
الدولة الأردنية اشتبكت مبكرا مع أزمة (كورونا) ،الا أنه يلاحظ أن هذا الاشتباك لم يكن بذات الكفاءة فقد أحسنت في جانب فيما شاب الارتباك والضعف الجوانب الأخرى .في الجانب الذي أحسنت فيه نجد أن الدور قد أسند للقوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية لتعزيز فرص نجاح الخطة الصحية والتي يمكن أن توصف بأنها نجحت نجاحا كبيرا حد التميز في إحتواء المرض ولم يقلل بعض الاخطاء الصغيرة من نجاعة هذه الخطة ، لان ليس هناك عمل مكتمل لايشوبه نقص أو خلل، على أن ظهور القوات المسلحة ينبغي أن لا يكون طويلا لما لذلك من محاذير ،وعليها أن تحافظ على ما حققته من مكتسبات ولعل أبرز مكتسباتها قدرتها على إعادة ربط المجتمع بالدولة .
في الجوانب الاخرى ناخذ مثالا واحدا عليها وهو الجانب الاقتصادي حيث بدا جليا أن ليس هناك خطط لادارة والتعامل مع الكوارث الاقتصادية ،حتى ولو على المدى القصير ،فلم يمض أكثر من شهرين على بدء الأزمة حتى تبين أن ليس لدى الحكومة أي قدرة على التعامل مع هذه الجائحة الا عن طريق المنح والقروض ،والتي تعتمد فيها على مصادر تمويل تعاني اصلا من تضرر اقتصاداتها المحلية أو كثرة المحتاجين لمساعدتها .وكذلك لجأت الحكومة الى الحملات الشعبية للتبرع لدعم جهد الحكومة وبدا واضحا أنها تعول على هذا المصدر بدرجة كبيرة ، ومن المعروف أن التبرعات لايجوز أن تكون سياسة للحكومة بل هي نشاطات مجتمع محلي . لم تعلن الحكومة أن هناك خطوطًا عامة وخطوات محددة ستتبعها للتقليل من الاثار الاجتماعية والاقتصادية التي لم يظهر جلها حتى الان ،ولذا نجد أن تتابع أوامر الدفاع لم يكن عاملا حاسما في نقل المجتمع من حالة الى حالة اخرى تزيد من حالة الاستقرار بل كان كل امر دفاع يصدر غالبا ما يثير مزيد من الأسئلة، والنقاش بين الناس.
كل ذلك لا يعني أن المأساة حتمية رغم الاقرار بصعوبة الظرف ،شريطة الاستدراك ورفع درجة الاستجابة لآثار هذه الجائحة ،والتي كشفت عن مواطن خلل لابد من إصلاحها ،وتتمثل هذه الاستجابة بشكل أساس بإعادة بناء هياكل الدولة المختلفة ،السياسية والاجتماعية والاقتصادية ،حتى تسهم هذه الهياكل بالاصلاحات في كافة المجالات ،التي تخدم الدولة في معركتها ضد هذه الجائحة وغيرها ،وحتى لا تسمح لهذه الأزمة او غيرها في دفع الوطن لحدود الوهن.