عبد السلام الطراونة واحد من الأسماء المهمة في ذاكرة الإعلام الأردني؛ إذ امتلك القدرة على الجمع بين بلاغة الصوت الإذاعي، وحرارة الكلمة الصحفية، ونضج الرؤية السياسية. منذ منتصف الستينيات، شكّلت مسيرته المتنوعة في الإذاعة والصحافة والإدارة الثقافية حضورًا لافتًا جعله شاهدًا وفاعلًا في التحولات الكبرى التي مر بها الإعلام الأردني والعربي خلال النصف الثاني من القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين.
بدأ عبد السلام الطراونة رحلته المهنية في إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية عام 1965، حيث التحق بدائرة الأخبار، وكان من أوائل الأصوات الرجالية التي قرأت النشرات الإخبارية بصوت عميق ونبرة رزينة، مزجت بين الحياد المهني والحضور الشخصي. وقد عُرف بنشرة "لُمَع الأخبار" التي كان يقدّمها صباحًا، والتي لاقت رواجًا بين المستمعين لما فيها من تكثيف وتحرير ذكي. ومع مرور الوقت، وبفضل جديته وكفاءته، تدرّج في مواقع المسؤولية حتى أصبح مديرًا للأخبار في الإذاعة الأردنية، ليقود واحدًا من أهم أقسامها وأكثرها تأثيرًا في الرأي العام.
تميز الطراونة بصوته الإذاعي القوي والمنضبط، وقدرته على الإلقاء السليم والاحترافي، ما أهّله ليكون من أعمدة الإذاعة في تلك الفترة الذهبية التي كانت فيها الإذاعة الأردنية من أبرز المنابر الإعلامية في المنطقة. لم يكتف بالتقديم، بل شارك أيضًا في تحرير الأخبار وكتابة التعليقات السياسية، مما عزز مكانته كصوت مثقف وليس مجرد ناقل للخبر. كما قام بتأسيس البرامج الإخبارية في الإذاعة الأردنية ومن أبرزها برنامج "شريط الأنباء"، وساهم في تطوير القسم الإنجليزي، مقدمًا البرامج الإخبارية التي تجاوزت حدود الصوت إلى التأثير الفكري والثقافي.
مع بدايات السبعينيات، انتقل الطراونة إلى مجال الصحافة المكتوبة، حيث ساهم في تأسيس صحيفة الرأي اليومية، وكان أحد فريق العمل المكلف بإخراج العدد التجريبي من الصحيفة، في تجربة وصفها بأنها من أصعب وأجمل مراحل حياته المهنية. كما أسهم في تأسيس صحيفة Jordan Times التابعة للرأي، ومجلة حاتم للأطفال، مما أضاف لبنة مهمة في مسيرة الإعلام الأردني، سواء على مستوى الصحافة اليومية أو النشر الثقافي الموجه للطفل.
بعد سنوات من العمل التحريري، تولى عبد السلام الطراونة مناصب عليا في الصحافة والإعلام، كان من أبرزها رئاسة تحرير صحيفتي الدستور والرأي، إلى جانب رئاسته لمجلس إدارة الرأي. كما شغل منصب رئيس تحرير صحيفة صوت الشعب، وخلال عمله فيها ساهم بوضع الأسس للكتابة الساخرة إلى جانب الزملاء محمد طمليه، يوسف غيشان، وجهاد جبارة، وغيرهم. وامتدت مساهماته لتأسيس صحف محلية في إربد والعقبة وغيرها من المحافظات الأردنية.
كما عرف الطراونة بمشاركته الفاعلة في المجتمع الصحفي الدولي، حيث كان عضوًا في اتحاد الصحفيين العرب، وعضوًا في الاتحاد الدولي للصحفيين. وقد كرّمت الدولة جهوده بعدة أوسمة، منها وسام الاستقلال من الدرجة الأولى نتيجة مساهماته في إعداد مؤتمر القمة العربي في المملكة الأردنية الهاشمية، ووسام الحسين للعطاء المميز من الدرجة الأولى، وهو جائزة الدولة التقديرية التي منحت له إلى جانب عدد من الشخصيات الإعلامية والثقافية في الأردن.
يحمل عبد السلام الطراونة دبلومًا في الإعلام وأستاذية في الإعلام بمرتبة الشرف من جامعة سيركيوز الأمريكية، وقد وظف هذه الخبرة في تطوير الإعلام الأردني، بما جمع بين الاحترافية الأكاديمية والفهم العملي لسوق الإعلام الوطني.
لم يقتصر تأثيره على الإدارة والتحرير، بل امتد إلى الكتابة اليومية، إذ عرف بمقالات ذات طابع وجداني وسياسي، تجمع بين اللغة الأدبية والتحليل العميق، وقد نشرها في صحف يومية ومواقع إلكترونية بارزة، مثل: عمون الإخبارية، سرايا نيوز، جو24، وكالة الساعة، فيلادلفيا نيوز، بلكي نيوز، أخبارنا، وكل الأردن. ومن أبرز مقالاته: "لي فيك يا شام"، "خاوة.. ولكن بالحق"، "نحبه.. لا نخشاه!!"، و"غزة.. يا جرحي .. ويا فرحي!"، حيث تعكس جميعها التزامه بقضايا فلسطين، والهوية العربية، والتحولات الوطنية والاجتماعية.
ظل عبد السلام الطراونة طوال مسيرته مؤمنًا بأن حرية الإعلام ليست ترفًا، بل ضرورة لتطور الدولة والمجتمع. لذلك، لم يتردد في انتقاد هندسة الحياة الحزبية في الأردن، أو غياب المشروع الوطني الواضح، داعيًا إلى استعادة دور الإعلام المهني كجسر بين الدولة والمواطن، بعيدًا عن التوجيه السياسي أو الرقابة الصارمة، معبّرًا عن أفكاره بلغة متوازنة لا تخلو من الحزم.
لا يمكن الحديث عن تطور الإعلام الأردني دون التوقف عند محطات عبد السلام الطراونة. فقد مثّل صوته في الإذاعة البداية المهنية لمرحلة إعلامية واعية، وترك في الصحافة المكتوبة أثرًا كبيرًا في تأسيس خطاب عقلاني ووطني. ومقالاته اليوم، وهي تواصل الظهور على منصات رقمية، تؤكد أنه لم يتقاعد من حب الكلمة، ولم يتعب من مخاطبة ضمير الوطن. إنه مثال للإعلامي الذي احترم مهنته، وأخلص لفكرته، وسخّر صوته وقلمه في خدمة الحقيقة والناس، دون أن يُغريه ضوء السلطة أو يُسكته ضجيج المصالح.