منير سليمان عيسى جدعون أحد أعمدة الإعلام المرئي والمسموع، ترك بصمة لا تُمحى في ذاكرة الإعلام الأردني والعربي. وُلد منير جدعون عام 1946، وفي حياته التي امتدت أكثر من أربعة عقود، كان مثالًا للرصانة والجدية المهنية التي تعكس روح الإعلام الحقيقي، بعيدًا عن الزيف والمبالغة. توفي عام 2015، لكنه ما زال يحظى بالتقدير والاحترام من زملائه والجمهور.
نشأ منير جدعون في بيئة أردنية محافظة، أكسبته جذوره والقيم التي تربى عليها أسسًا قوية للتميز في العمل. أنهى دراسته الثانوية العامة قسم الأدبي عام 1964، ثم واصل دراساته العليا بحصوله على بكالوريوس في الأدب العربي عام 1975، مما وفر له ثقافة واسعة في اللغة والأدب، إضافة إلى شهادة علوم سياسية من الجامعة اللبنانية التي زادت من عمق فهمه للقضايا السياسية والاجتماعية التي كان يتناولها إعلاميًا.
هذه المؤهلات العلمية لم تكن مجرد شهادات بل أدوات أساسية مكنته من تقديم محتوى إعلامي غني، متوازن، وواعٍ.
في عام 1965، التحق منير جدعون بالإذاعة الأردنية، ليبدأ مشواره الإعلامي كمذيع أول للأخبار والبرامج الإخبارية. كان صوته الهادئ والواضح يعكس مصداقية عالية، الأمر الذي جذب جمهورًا واسعًا. في الإذاعة، تعلم فنون الإلقاء، وأساسيات الإذاعة والتواصل الجماهيري، مما جعله نموذجًا للإعلامي المثقف والمتمكن.
كانت تلك الفترة محطة مهمة في تشكيل هويته الإعلامية، حيث كان يلتزم بأعلى معايير المصداقية والموضوعية، وهو ما ساعده لاحقًا في الانتقال إلى التلفزيون.
في عام 1970، انتقل منير جدعون إلى التلفزيون الأردني، حيث أصبح المذيع الرئيسي للأخبار، واستمر في هذا الدور حتى عام 1990. خلال هذه العقود، كان وجهًا مألوفًا للمشاهد الأردني، ومصدر ثقة لهم في نقل الأخبار الوطنية والدولية.
تميز في تقديم الأخبار بأسلوب رصين وموضوعي، مبتعدًا عن الإثارة أو المبالغة، محافظًا على احترام المشاهد، وجاعلاً من مهنته رسالة قبل أن تكون وظيفة. كما ساهم في تطوير البرامج التلفزيونية وتقديمها بطريقة متزنة تليق بجمهور المملكة.
بين عامي 1985 و2002، كان منير جدعون الصوت المميز الذي علق على البرامج الوثائقية والعلمية لدى مؤسسة الشروق للإنتاج الفني، حيث أُذيعت تلك البرامج في العديد من الفضائيات العربية.
هذا الدور أضاف بعدًا جديدًا لمسيرته المهنية، إذ استطاع أن يدمج ثقافته الأدبية والسياسية مع مهاراته الإعلامية، ليقدم للمشاهد العربي محتوى توعوي وتعليمي بأسلوب مبسط وواضح.
في عام 2007، شغل منير جدعون منصب المدير التنفيذي لإحدى المحطات التلفزيونية الخاصة، حيث أظهر قدراته الإدارية والتنظيمية، وساهم في تطوير المحتوى الإعلامي والخطط الاستراتيجية للمحطة.
وفي الفترة من 2008 حتى 2012، عاد إلى الإعلام كمذيع ومقدم برامج في إذاعة الأمن العام الأردنية، حيث استمر في خدمة وطنه من خلال تقديم معلومات مهمة وهادفة لجمهور المستمعين.
بعد مشوار طويل في الإعلام، انتقل منير جدعون للعمل في القطاع المصرفي، مستفيدًا من قدراته التنظيمية والتحليلية، مما يدل على تعدد مواهبه وقدرته على التأقلم مع مختلف البيئات المهنية.
كان منير جدعون معروفًا بصوته الهادئ والواضح، وبقدرته على إيصال الرسالة الإعلامية بدقة وموضوعية. تميز بالتزامه بأخلاقيات المهنة، وحرصه على نقل الحقيقة كما هي، مما أكسبه احترام زملائه ومتابعيه.
كان شخصًا مثقفًا ومطلعًا، يدمج بين الأدب والسياسة والإعلام، ليقدم محتوى متميزًا ومؤثرًا.
توفي منير جدعون في 13 كانون الأول 2015، ونعاه الوسط الإعلامي الأردني والعربي بكلمات تقدير واحترام لما قدمه من خدمات جليلة في تطوير الإعلام الأردني.
وقد نُظمت له عدة فعاليات تأبينية وذكريات لتكريم حياته المهنية ومسيرته الإعلامية، مؤكدة أنه كان أحد أعمدة الإعلام في الأردن.
منير جدعون كان أكثر من مجرد إعلامي؛ كان سفيرًا للإعلام الأردني الأصيل، رجلًا حمل رسالة الإعلام بكل أمانة وصدق، وترجمها في صوتٍ هادئ وأسلوب راقٍ. سيبقى اسمه علامة مضيئة في تاريخ الإعلام الأردني، ومثالًا يُحتذى به للأجيال القادمة.