ذاكرة الميكروفون والكاميرا: سلسلة يومية عن إعلاميي الإذاعة والتلفزيون الأردني
معاذ شقير (1933 – 2019) كان احد الرواد الذين ساهموا في ترسيخ دعائم الإعلام الحديث، خاصة في شقّه الموجه للجمهور الدولي. شقير لم يكن مجرد موظف في مؤسسة رسمية، بل كان عقلًا إداريًا، وصوتًا إذاعيًا، ومهندسًا لبرامج عبر الأثير، ترك أثرًا يمتد حتى بعد رحيله.
ولد معاذ شقير في عمان عام 1933. تلقى تعليمه الثانوي في الأردن، وواصل دراسته الجامعية في الجامعة الأمريكية في بيروت، حيث تشبع بروح الانفتاح الثقافي والتفكير النقدي. لم يتوقف طموحه عند هذا الحد، بل انتقل إلى الولايات المتحدة حيث تلقى تدريبات متخصصة في الإعلام، العلاقات العامة، الإعلان، وإدارة المحطات، ما أهّله لاحقًا ليكون من صانعي الإعلام المؤسسي في الأردن.
بدأ شقير العمل في الإذاعة الأردنية عام 1961، حيث تولى منصب مدير البرامج الأجنبية. في ذلك الوقت، لم تكن البرامج الإذاعية باللغات الأجنبية سوى محاولة متواضعة، لكن تحت إشرافه، تطورت لتصبح نافذة رسمية تعكس وجه الأردن للعالم. كان له دور محوري في تطوير المحتوى الإنجليزي، ورفع سوية الأداء التحريري والبث الإخباري.
ولمدة تسع سنوات، أشرف على البرامج الأجنبية، واضعًا معايير جديدة في الترجمة، الانتقاء البرامجي، وتوظيف الكفاءات. بعد ذلك، تولى منصب مدير عام البرامج، ثم مساعد المدير العام، ليغدو صوتًا إداريًا ومرجعيًا يُستشار في شؤون الإعلام الخارجي والداخلي على حد سواء.
لم تقتصر إسهامات شقير على المايكروفون. بل كان من المؤسسين الأوائل لصحيفة "The Jordan Times"، التي تُعد الذراع الإنجليزي للأخبار الأردنية، وقد أسسها لتكون أداة تواصل مع العالم، وإطارًا لتقديم وجهة النظر الأردنية في الصحافة العالمية. كما رأس تحرير جريدة "Jerusalem Star" عام 1982، وعمل في السابق محررًا لدى إذاعة الكويت وجريدة Palestine News الصادرة في القدس.
اشتهر شقير بقدرته الفائقة على الترجمة الفورية للمؤتمرات الدولية، وكان يُستدعى بانتظام لتغطية المؤتمرات السياسية والاقتصادية التي تعقد في الأردن، حيث أضفى على الترجمة بعدًا إعلاميًا، لا تقنيًا فقط. وقد وصفه أحد زملائه بـ"الوجه المبتسم والعقل الهادئ الذي يترجم بمهنية ويصيغ بمسؤولية".
تزوج معاذ شقير من الإعلامية البارزة ليلى القطب، وشكّلا معًا ثنائيًا إعلاميًا مميزًا في الساحة الأردنية. جمعت بينهما القيم المهنية ذاتها: الدقة، الصدق، والالتزام برسالة الإعلام كمشروع وطني، لا مجرد وظيفة.
في تأبينه، كتب الوزير الأسبق صبري ربيحات واصفًا شقير بأنه "الرجل الأبعد عن نرجسية المهنة"، مشيدًا بتواضعه ونبله، وقدرته على الجمع بين الحضور والسكينة. وأضاف: "كان من أولئك الذين لا يصنعون الضجيج، لكنهم يصنعون الفرق".
توفي معاذ شقير في كانون الثاني 2019، بعد مسيرة امتدت لأكثر من خمسة عقود من العطاء الإعلامي. لم يكن اسمه يملأ العناوين، لكنه كان يملأ الجوهر. ترك بصمته في كل من عبر استوديوهات الإذاعة الأردنية، وفي كل نص إنجليزي قرأه جمهور العالم عن الأردن.
في عصر تتلاشى فيه الفوارق بين الصوت والصورة، يبقى اسم معاذ شقير علامةً على زمن كانت فيه الكلمة مسؤولية، والصوت رسالة، والمهنة رسالة وطن.