في ظل التحديات الاقتصادية المتزايدة، يبرز رقم مفزع يتردد بقوة في المشهد الأردني: أكثر من 430 ألف شاب وشابة خارج سوق العمل. هذا الرقم لا يمثل مجرد إحصائية عابرة أو بيانات موسمية، بل يعكس أزمة وطنية عميقة تضرب في صميم بنية المجتمع وتطعن أحلام جيل كامل في الاندماج والمشاركة والإنتاج. فالشباب الذين يُفترض أن يكونوا المحرك الأساسي للتنمية والابتكار، باتوا أسرى الانتظار، يطاردهم القلق من المجهول، ويثقل كاهلهم عبء البطالة والفراغ والإحباط.
هذا الواقع يكشف عن اختلالات متراكمة في السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، حيث لم تفلح الخطط السابقة في خلق فرص عمل كافية، ولم ينجح التعليم في إعداد خريجين يمتلكون المهارات التي يطلبها السوق. كما أن الكثير من الوظائف المتوفرة تتركز في قطاعات محدودة جغرافياً، ما يزيد من تهميش المحافظات النائية ويدفع العديد من الشباب للهجرة نحو العاصمة أو حتى خارج البلاد بحثًا عن فرصة.
المشكلة لا تكمن فقط في غياب الوظيفة، بل في غياب الرؤية طويلة الأمد التي تضع الإنسان في قلب المعادلة التنموية. هناك حاجة ماسة إلى استراتيجية وطنية حقيقية تعيد الاعتبار للتدريب المهني، وتدعم الريادة والابتكار، وتحفّز الاستثمار في المحافظات، وتربط مخرجات التعليم بسوق العمل على أسس واقعية وديناميكية. كما لا بد من إعادة بناء الثقة بين الشباب والمؤسسات، فالشعور بالخذلان من السياسات المتكررة وغير الفاعلة، ترك أثرًا سلبيًا في نفوسهم، وولّد قناعة بأن الجهد الفردي وحده لا يكفي، وأن الطريق نحو الاستقرار المهني بات أكثر وعورة.
430 ألف شاب وشابة خارج السوق ليسوا مجرد أرقام، بل قصص إنسانية مؤلمة، وأحلام مؤجلة، وأسر تنتظر، وطاقات تتبدد، ومستقبل وطن على المحك. التعامل مع هذه الأزمة يتطلب أكثر من وعود، وأكثر من برامج مؤقتة. المطلوب تحول عميق في طريقة التفكير، وفي آليات صنع القرار، وفي توزيع الموارد، وفي فهم معنى العدالة الاقتصادية. فالبطالة اليوم لم تعد ظاهرة اقتصادية فقط، بل تحولت إلى أزمة أمن اجتماعي، وإلى مؤشر خطير على اتساع الفجوة بين الدولة والمواطن، وبين الحلم والواقع.
وإن لم تُوضع حلول جذرية ومستدامة تنطلق من فهم حقيقي لاحتياجات الشباب وتطلعاتهم، فسيبقى هذا الرقم يرتفع عامًا بعد عام، وستفقد الدولة أهم ما تملكه: ثقتها بشبابها، وثقة شبابها بها.