أثار التعديل الأخير على قانون التنفيذ الأردني موجة من الجدل القانوني والاقتصادي والاجتماعي، بعد أن ألغى عقوبة حبس المدين في عدد من القضايا المدنية، مستندًا إلى الالتزامات الدولية التي انضمّ إليها الأردن، وتحديدًا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي تنص المادة (11) منه على عدم جواز سجن شخص لعدم قدرته على الوفاء بدين مدني.
ورغم أن هذا التوجه التشريعي يأتي في إطار تخفيف الاكتظاظ في مراكز الإصلاح وتقليص الأعباء المالية على الدولة، إلا أن المشرّع استثنى بعض الحالات من هذا الإلغاء، مثل قضايا الإيجارات، والنفقة، وعقود العمل، والتعويضات الناشئة عن الجرائم، وديون الخزينة، وقرارات مشاهدة الأطفال أو تسليمهم.
إجحاف بحق الدائنين
إلا أن التعديل – وفق مراقبين قانونيين – لم يُحقّق التوازن المنشود بين مصلحة الدائن والمدين، إذ بقيت الالتزامات التعاقدية، والشيكات، والكمبيالات، خارج دائرة الحبس، ما جعل الدائنين في مواجهة مصير قانوني غامض، خصوصًا مع عدم قدرة عدد كبير من المدينين على الدفع أو تهرّبهم القانوني عبر تسجيل ممتلكاتهم بأسماء أقاربهم.
وفي ظل هذا الواقع، تُطرح تساؤلات جوهرية، من بينها:
هل يُعقل أن يُحرم الدائن من وسيلة قانونية ضاغطة مثل الحبس؟
ولماذا لم يُستثنى من هذا الإلغاء أدوات مالية ملزمة كالشيكات والكمبيالات؟
وهل ضحّى المشرّع بالأمن القانوني والاقتصادي مقابل التزامات حقوقية دولية دون حلول بديلة فعّالة؟
الحبس ليس غاية ولكن لا بديل له حاليًا
المحاميتان مرح ردايدة وشهد القرعان، أكّدتا في هذا السياق أن الهدف من إلغاء الحبس يجب ألّا يكون على حساب كيان العدالة والحقوق، مشيرتين إلى أن "الردع المدني" لا بد أن يكون ضمن منظومة متكاملة تشمل ربط المحكومين غير الملتزمين بأنظمة إلكترونية حكومية وبنكية، تمنعهم من القيام بأي معاملة رسمية أو مالية حتى سداد ما عليهم من التزامات.
وأضافتا أن الحجز على الأموال أو منع السفر ليست أدوات كافية لوحدها، مشيرتين إلى أن التاجر أو صاحب العمل بات اليوم أكثر تحفظًا في التعامل المالي، مما قد يُعيق النشاط التجاري ويُسهم في التضخم ويُهدّد هيبة مهنة المحاماة.
دعوة لتعديل تشريعي عاجل
في ختام المقال، طالبتا بضرورة تحرّك المشرّع الأردني بصورة مستعجلة لوضع منظومة قانونية بديلة تضمن تحصيل الحقوق وتحافظ على ثقة الناس في العقود والكمبيالات، بعيدًا عن اللجوء إلى القوة أو الوسائل غير القانونية، مع ضرورة أن يكون لنقابة المحامين دور فعّال في الضغط لتعديل القانون بما يضمن العدالة الاقتصادية والاجتماعية.