لا شك أن اختيار العنوان لأي مقال يُعتبر من أهم وأصعب الأجزاء التي تواجه كاتبه، إذ يُعد بمثابة الخطوط العريضة لإيصال رسالته، والواجهة السياسية التي يعبّر فيها عن وجهة نظره وفكرته الرئيسية حوله.
يعود عنوان"الوطن البديل" إلى الواجهة ، ليخرج بين الحين والآخر كأحد هواجس الأردنيين جراء تعقيدات أكثر المراحل السياسية حرجًا وخطورة تمر على خريطة المنطقة العربية الجيوسياسية، خاصة نتائج ما بعد السابع من أكتوبر، و محاولة القوى الكبرى فرض وقائع ميدانية على الأرض بالقوة، لتمكين هيمنتها والسيطرة على المنطقة، ذلك للتحضير لما هو وشيك بإعطاء الكيان الصهيوني صك بلفور جديد، و تعيينه "شرطيًا" للمنطقة لتمرير مخططاته العسكرية والسياسية تجاه الأراضي الفلسطينية وما حولها من دول الجوار، لضمان أمنه والحفاظ على دوره الوظيفي في خدمة تلك القوى، والسعي إلى عدم استقرارها.
لعل تهديداته بضم الضفة، والتهجير القسري لسكان قطاع غزة، والمطالبة بإقامة دولة لهم في مصر والأردن، من أكثر المقترحات والتهديدات تطرفًا ، و عكسًا لصلافة و عنجهيّة ذلك الكيان.
الأردن تصدى من اليوم الاول للعدوان على الضفة وقطاع غزة، بمواقف سياسية متقدمة، تجسدت في العديد من النقاط:
-سلوك دبلوماسية مواجهة قادها الملك عبر دور محوري على منابر عواصم و منظمات دولية ، رسمت خارطة طريق ديبلوماسية عربية عالمية مقاومة رافضة لسياسات الاحتلال الإسرائيلي الوحشية ، و الدعوة لإحلال السلام في المنطقة و للإنسانية في العالم جمعاء ، دور فضح محاولات الكيان و مخططاته وأهدافه المخالفة لكل المعاهدات والمواثيق الدولية، التي تُعد خرقًا فاضحًا و واضحًا لها، وهذا الموقف ليس الأول ولن يكون الأخير، كما هي حال تهديدات العدو الإسرائيلي.
-اللآت الملكية الثلاث: رسالة سياسية اردنية واضحة صريحة : "كلا للوطن البديل، كلا للتوطين، القدس خط أحمر".
-إسقط الأردن من حساباته خيارات الكونفدرالية ما بين الضفتين، ضمن صياغة شعار "الأردن هو الأردن، وفلسطين هي فلسطين"، ليكون الرد القوي على التهديد الصهيوني الكولونيالي التوسعي ، حماية وتأكيدا لاستقلال وسيادة الجغرافيا للشقيقين.
-الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، والتأكيد على عدم المساس بالواقع المكاني و الزماني والتاريخي لها أو محاولات تغييره.
كلها خطوات مبدئية شكّلت ملامح الموقف الأردني المشتبك مباشرة تجاه القضية الفلسطينية وحقوق شعبها المشروعة، وإقامة دولته المستقلة في إطار حل الدولتين.
القرب الجغرافي ما بين الأردني والفلسطيني يحتم التنسيق السياسي، بناءً على حسابات التوأمة السياسية الأردنية الفلسطينية و وحدة المصير ، التي تحكمها أبعاد الجغرافيا الأطول، و امتدادات الديمغرافيا، والعمق الاستراتيجي للأمن القومي الأردني الذي تُشكّله الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة على وجه الخصوص.
في مواجهة هذه التحديات ، يتمسك الاردن بجملة من العناوين الرئيسية و الثوابت الوطنية وجب تسليط الأضواء عليها، لأنها مسلمات و رسائل للداخل الاردني :
الهوية الأردنية،الوحدة الوطنية ،الجبهة الداخلية.
عناوين ،تعبر عن مدى جدية الدولة الأردنية وصانع القرار فيها، لرفع جاهزية الاستعدادات لما هو آت ، و التطلع إلى تعزيزها عبر مسارات التحديث الثلاث.
كل ما تقدّم أعلاه هو الإجابة عن تساؤلات وتصريحات - أياً كان مصدرها أو شكلها - عن تيار سياسي (مفترض) ساعٍ لفرض مشروع "الوطن البديل" أو تذويب الهوية الأردنية.
اما بشأن الثوابت الوطنية التي يجمع كافة الاردنيون عليها، هي أساسات الدولة الراسخة المستقلة القوية، تتمثل في:
-نظام حكم سياسي ملكي هاشمي دستوري ديمقراطي ، يحكم دولة مئوية .
-هياكل تنظيمية حكومية تتوزع مابين سلطات حكومية ثلاث تنفيذية، تشريعية، وقضائية، تعمل وفق معايير مؤسسية و تشريعات ناظمة قانونية، بهدف توفير و استدامة الخدمات الأساسية لشعبها، وإدارة مرافق الدولة، والتخطيط لزيادة نسب النمو الاقتصادي و ازدهار مظاهر الرفاه الاجتماعي.
-جيش وأجهزة أمنية وطنية احترافية، مسؤوليتها الحفاظ على أمنها واستقرارها.
الإجابة واضحة لأسئلة مُبهمة، مُلهمة لرسم حقل ألغام من الأوهام و الخيال الخصب، لزرع بذور الشك والتفرقة والاتهام ، وهذا يتيح لفئة تتحيّن الفرصة لإحداث ثغرة داخل جدار الوحدة الوطنية الأردنية و جبهتها الداخلية، والأخطر، إضعاف مناعتها، لذا وجب عدم التواني عن تقديم الأدلة و الكشف عن هكذا اتجاه.
"الوطن البديل" لن يكون مادام هناك وطن اردني له أصل و مرجعية و هوية ، لن يتحقق الا في اوهام اصوات همسات اولئك القابعين في عتمة الليل، على عتبات غرف الانتماءات متعددة الولاءات المتعصبة الرجعية المتشابكة، أياً كانت بوصلتها حيث تضيع البوصلة الوطنية لأجل مصالحها الشخصية ، أما نحن فلا نعرف الا بوصلة الوطن الاردني القوي الديمقراطي التعددي، الراسخ بهويته ، المؤمن بقيم التشاركية والعقلية الجمعية و العدالة الاجتماعية ، المزدهر باقتصاده ، المصان امنه، الموحد داخله ، المستقر العزيز الكريم، ، الداعمٌ لصمود الشعب الفلسطيني على أرضه التاريخية ، له عين على عمان و عين على القدس .