في عمق الصحراء الممتدة، وعلى سفوح التاريخ المتجذر، في ذاكرة الأرض، تنهض العشائر الأردنية، لا كقبائل متناثرة، بل كجذوع متماسكة تضرب في عمق الانتماء، وتفيض بالحكمة والمروءة.
وعلى الرغم من محاولات البعض، تشويه صورتها، وربطها بالجمود والتقليدية، فإن العشائر أثبتت في محطات عديدة، أنها قادرة على التحول، من خيمة الرأي الواحد، إلى منبر تعددي، ومن دائرة الذكورة المغلقة، إلى ساحة تشرع أبوابها لنبض الأنثى الحرة، العارفة بمقامها، المؤمنة بقدرتها على التغيير.
والعشائرية ليست في الأردن، مجرد انتماء بالدم أو الاسم، بل منظومة اجتماعية، تنبض بالحكمة، تحفظ النسيج الوطني، وتشد خيوط اللحمة بين أفراد المجتمع، في زمن التحلل والتشرذم.
وقد باتت العشيرة اليوم شريكاً في الديمقراطية، لا من حيث التعدد فقط، بل من حيث الوعي، والموقف، حتى غدت صناديق الاقتراع، مرآة تعكس صوت القبيلة، كما تعكس صوت المدينة.
ما أعظم أن تستمد المرأة الأردنية، قوتها من جذورها، وتتكئ على قبيلتها، التي لطالما حفظتها في قلبها، كاسم مقدس، فإذا بها تعود إلى حضن العشيرة، لا كابنة فقط، بل كقائدة، وصاحبة قرار.
لقد رأيناها في الكرك، وفي معان، وفي الطفيلة والبادية، تترشح عن مقاعد الرجال والنساء معاً، تحظى بتأييد وجوه العشيرة وشيوخها، وتحمل على عاتقها هم الوطن، لا بعيون حزبية، بل برؤية تحمل عبق الانتماء، وإرادة الإصلاح.
من سمو التجربة، نستلهم درة القيادات التي فرزتها العشيرة، فكن على قدر أهل العزم، لخوض غمار السياسة، وأيضاً اعتلاء مواقع القيادة، نعم مدعومة من بيتها، ومن مجتمع عشائري، لم يتردد لحظة في الاعتراف بكفاءتها.
وها هي نساء الكثير من العشائر، يقفن اليوم في مضمار الترشح، لا كهامش انتخابي، بل كرقم صعب في معادلة التمثيل الحقيقي.
إن دعم العشائر للمرأة، لا يعد نزهة شكلية، ولا ترفاً انتخابياً، إنه اعتراف بأن المرأة ليست فقط "نصف المجتمع"، بل نصفه القائد، ونبضه المتوثب، وسر توازنه.
وما أروع أن تنبثق القوة من الأصالة، وأن تنجلي الصورة عن مشهد فيه المرأة تلبس ثوب العشيرة، بكل اعتزاز، وتحمل راية الإصلاح، بكل ثقة واقتدار.
ليست الديمقراطية نقيض العشائرية، بل امتداداً لها، لأنها تحتضن الروح الوطنية، وتؤمن بقيمة الإنسان، فحين تبايع القبيلة ابنتها، وتدفع بها إلى المقدمة، فإنها لا تكتفي بمنحها صوتاً في الصندوق، بل تمنحها شرعية التاريخ، وسند الانتماء، وأجنحة الطموح.
وفي الختام، بكل عز نقول، حين تتلاقى راية العشيرة، وراية المرأة، في ميدان الانتخابات، يعلو الوطن، ويكتب التاريخ، فصلاً جديداً من فصول النهوض الأردني، عنوانه: "من جذور العشيرة تثمر شجرة المساواة".