شهدت العلاقات الأردنية السورية منذ عام 1969، وهو العام الذي رسَّخ فيه حزب البعث العربي الاشتراكي سلطته الجائرة في سوريا، توترات متتالية، اتسمت بغياب الثقة وتضارب الرؤى الإقليمية وتراكمات سياسية وأمنية لم تُمحَ من الذاكرة بعد. فقد ظلت عمّان ودمشق، على مدى أكثر من نصف قرن، تسيران في خطين متوازيين لم يلتقيا إلا لمامًا، وفي ظروف فرضتها ضرورات الجغرافيا لا توافق المبادئ.
غير أنّ تسلُّم الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، مقاليد الحكم في دمشق، قد بعث في الجسد المتيبس لتلك العلاقات نفساً جديداً، وأطلق في الأفق السياسي مؤشرات جدّية على نية دمشق إعادة تموضعها إقليميًا، والانفتاح على جوارها الطبيعي بما في ذلك الأردن، الذي ظلّ على مدى سنوات الحرب السورية يتعامل بميزان المصالح العليا والاعتدال السياسي، محافظًا على أبواب التواصل مفتوحة رغم التجاوزات.
تحوّل براغماتي أم صحوة ضمير سياسي؟
منذ اللحظة الأولى لإعلانه رئيساً، بعث أحمد الشرق برسائل مصالحة إلى الخارج، كان أبرزها ما وجّهه إلى الأردن، دولةً وقيادةً وشعباً، مؤكِّدًا أنّ عهد التوترات والوصايات قد ولّى، وأن مرحلة جديدة تقوم على التعاون والتكامل العربي بدأت تلوح في الأفق.
ويبدو أنّ القيادة الأردنية تلقفت هذه الإشارات بحذر إيجابي، إذ تدرك عمّان أنّ استقرار الجنوب السوري هو ضمانة أمن وازدهار للحدود الشمالية للأردن، وأنّ فتح آفاق الاقتصاد والتبادل والنقل بين البلدين هو مصلحة مشتركة طال انتظارها.
محطات من الشك والقطيعة
لم يكن هذا التقارب وليد اللحظة، بل ثمرة مراجعات مؤلمة لتاريخٍ حافل بالتوتر، منذ انقسام المواقف في سبعينيات القرن الماضي، وصولاً إلى وقوف الأردن موقفًا داعمًا للثورة السورية السلمية في بداياتها، ثم تحوّله إلى وسيط إقليمي لحل الأزمة، وصولاً إلى استضافته لمئات آلاف اللاجئين السوريين، الذين ظلوا في كنف الكرامة والرعاية.
وتجلت أزمة الثقة بأوضح صورها في ملف تهريب المخدرات عبر الحدود الجنوبية لسوريا، وهو الملف الذي شكل نقطة سوداء في العلاقات خلال العقد الأخير، وجعل من التعاون الأمني ضرورة ملحّة، لا خيارًا دبلوماسيًا.
عهد الشرق: بداية لردم الهوة؟
يُنظر إلى أحمد الشرق كوجه مدني من خارج الدائرة الأمنية الضيقة، يمتلك مشروعًا إصلاحيًا ولو جزئيًا، ويُؤمن بإعادة بناء الدولة على قواعد جديدة من الانفتاح الاقتصادي والانضباط السيادي. وقد يكون الأردن، بما يمتلكه من تجربة سياسية متوازنة ومكانة دولية، بوابة دمشق إلى استعادة بعض من حضورها العربي المفقود.
ومما يعزز هذا التوجه، ما نُقل عن مقربين من قصر الشعب في دمشق من نية الرئيس الجديد زيارة الأردن كأول محطة عربية له بعد تنصيبه، في خطوة رمزية تعني الكثير في ميزان العلاقات الثنائية.
خاتمة: صفحة جديدة بعد نصف قرن من القطيعة
مرور 54 عاماً على علاقات مضطربة لا يعني استحالة إصلاحها، بل يؤكد حاجة الطرفين إلى تجاوز عقد الماضي، وإعادة بناء الثقة على أسس احترام السيادة، ومكافحة التحديات المشتركة، وتحقيق التكامل العربي الواقعي.
إنّ ما نراه اليوم من حالة وفاق مبدئي بين الأردن وسوريا، في عهد الرئيس أحمد الشرق، ليس مجرد ظرف سياسي عابر، بل قد يكون حجر الأساس لمرحلة مختلفة، تتخطى الحسابات الأمنية الضيقة إلى رحابة الشراكة التنموية والاستقرار المشترك.
بقلم :
أ.د ياسر طالب الخزاعله.
٨ يوليو ٢٠٢٥م. الأردني السوري في عهد الرئيس أحمد الشرع: نحو صفحة جديدة بعد 54 عاماً من الجفاء...
شهدت العلاقات الأردنية السورية منذ عام 1969، وهو العام الذي رسَّخ فيه حزب البعث العربي الاشتراكي سلطته الجائرة في سوريا، توترات متتالية، اتسمت بغياب الثقة وتضارب الرؤى الإقليمية وتراكمات سياسية وأمنية لم تُمحَ من الذاكرة بعد. فقد ظلت عمّان ودمشق، على مدى أكثر من نصف قرن، تسيران في خطين متوازيين لم يلتقيا إلا لمامًا، وفي ظروف فرضتها ضرورات الجغرافيا لا توافق المبادئ.
غير أنّ تسلُّم الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، مقاليد الحكم في دمشق، قد بعث في الجسد المتيبس لتلك العلاقات نفساً جديداً، وأطلق في الأفق السياسي مؤشرات جدّية على نية دمشق إعادة تموضعها إقليميًا، والانفتاح على جوارها الطبيعي بما في ذلك الأردن، الذي ظلّ على مدى سنوات الحرب السورية يتعامل بميزان المصالح العليا والاعتدال السياسي، محافظًا على أبواب التواصل مفتوحة رغم التجاوزات.
تحوّل براغماتي أم صحوة ضمير سياسي؟
منذ اللحظة الأولى لإعلانه رئيساً، بعث أحمد الشرق برسائل مصالحة إلى الخارج، كان أبرزها ما وجّهه إلى الأردن، دولةً وقيادةً وشعباً، مؤكِّدًا أنّ عهد التوترات والوصايات قد ولّى، وأن مرحلة جديدة تقوم على التعاون والتكامل العربي بدأت تلوح في الأفق.
ويبدو أنّ القيادة الأردنية تلقفت هذه الإشارات بحذر إيجابي، إذ تدرك عمّان أنّ استقرار الجنوب السوري هو ضمانة أمن وازدهار للحدود الشمالية للأردن، وأنّ فتح آفاق الاقتصاد والتبادل والنقل بين البلدين هو مصلحة مشتركة طال انتظارها.
محطات من الشك والقطيعة
لم يكن هذا التقارب وليد اللحظة، بل ثمرة مراجعات مؤلمة لتاريخٍ حافل بالتوتر، منذ انقسام المواقف في سبعينيات القرن الماضي، وصولاً إلى وقوف الأردن موقفًا داعمًا للثورة السورية السلمية في بداياتها، ثم تحوّله إلى وسيط إقليمي لحل الأزمة، وصولاً إلى استضافته لمئات آلاف اللاجئين السوريين، الذين ظلوا في كنف الكرامة والرعاية.
وتجلت أزمة الثقة بأوضح صورها في ملف تهريب المخدرات عبر الحدود الجنوبية لسوريا، وهو الملف الذي شكل نقطة سوداء في العلاقات خلال العقد الأخير، وجعل من التعاون الأمني ضرورة ملحّة، لا خيارًا دبلوماسيًا.
عهد الشرق: بداية لردم الهوة؟
يُنظر إلى أحمد الشرق كوجه مدني من خارج الدائرة الأمنية الضيقة، يمتلك مشروعًا إصلاحيًا ولو جزئيًا، ويُؤمن بإعادة بناء الدولة على قواعد جديدة من الانفتاح الاقتصادي والانضباط السيادي. وقد يكون الأردن، بما يمتلكه من تجربة سياسية متوازنة ومكانة دولية، بوابة دمشق إلى استعادة بعض من حضورها العربي المفقود.
ومما يعزز هذا التوجه، ما نُقل عن مقربين من قصر الشعب في دمشق من نية الرئيس الجديد زيارة الأردن كأول محطة عربية له بعد تنصيبه، في خطوة رمزية تعني الكثير في ميزان العلاقات الثنائية.
خاتمة: صفحة جديدة بعد نصف قرن من القطيعة
مرور 54 عاماً على علاقات مضطربة لا يعني استحالة إصلاحها، بل يؤكد حاجة الطرفين إلى تجاوز عقد الماضي، وإعادة بناء الثقة على أسس احترام السيادة، ومكافحة التحديات المشتركة، وتحقيق التكامل العربي الواقعي.
إنّ ما نراه اليوم من حالة وفاق مبدئي بين الأردن وسوريا، في عهد الرئيس أحمد الشرق، ليس مجرد ظرف سياسي عابر، بل قد يكون حجر الأساس لمرحلة مختلفة، تتخطى الحسابات الأمنية الضيقة إلى رحابة الشراكة التنموية والاستقرار المشترك.