عندما تنطق الأرض بالشعر، وتهمس الرمال بحروف العزة والكرامة، يخرج صوت مثل صوت الشاعر أنور الهقيش، ليحمل نبض البادية الأردنية إلى قلوب الملايين، وينقش اسمه بحروف من ذهب في ذاكرة الشعر النبطي العربي.
أنور الهقيش الصخري، ابن الأردن البار، لم يكن مجرد شاعر عابر في ميادين الكلمة، بل كان ظاهرة شعرية نادرة، مزج بين الأصالة والحداثة، وتفنّن في رسم صور البادية بقصائد تقطر صدقًا وفخرًا. في كل بيت يلقيه، تسمع دقات قلب الوطن، وفي كل حرف يكتبه، تشتم عبق التاريخ وملح الأرض.
"شاعر المليون" ليس مشاركة بل كان موقفًا شعريًا، وقف فيه الهقيش ممثلًا للأردن في جميع المحافل بعنفوان البدوي، وحنكة الشاعر، وهيبة الفارس. بصوته الجهوري وحضوره اللافت، حيّا الجمهور العربي بلهجته الأصيلة وكلمته الموزونة، فحصد الإعجاب قبل التصفيق، والتقدير قبل الألقاب.
الهقيش لم يكن شاعرًا فقط، بل سفيرًا للثقافة البدوية، حمل رسالة الكلمة الصادقة التي تجمع لا تفرق، تبني ولا تهدم. قصائده صارت ترددها المجالس، وتتناقلها المنابر، لأنها ببساطة تشبه الناس.. تشبه الصحراء والكرم والرجولة.
في زمنٍ كثرت فيه الكلمات وقلّت المعاني، يظل أنور الهقيش علامة فارقة، يذكّرنا بأن الشعر ليس مجرد ترف لغوي، بل نبض حيّ يحمل وجع الأمة وفرحها، ويمدّ جسور المحبة بين الأوطان.
تحية لشاعرنا الكبير، الذي أعاد لنا الإيمان بأن الكلمة ما زالت قادرة على أن تصنع الفرق، وأن الأردن، متى حضر شعراؤه، أنصتت له المنابر وطربت له القلوب.