في وقتٍ تتعاقب فيه الأحداث المؤلمة والكارثية نتيجة الإهمال الإداري أو انعدام الرقابة، تُطرح تساؤلات ملحة عن غياب مبدأ "المسؤولية" في المشهد الرسمي الأردني. فمن أزمة امتحانات الثانوية العامة التي أثارت جدلًا واسعًا بين الطلبة وأولياء الأمور، وما زالت وزارة التربية والتعليم تتعامل معها بعناد وتبرير، إلى تقصير مؤسسة الغذاء والدواء في أداء دورها الرقابي، وصولًا إلى الجريمة البشعة التي أودت بحياة أحد شباب الوطن على يد فارض أتاوات، كل هذه الوقائع المؤلمة تفتح الباب أمام سؤال جوهري: أين المسؤولية؟
المواطن الأردني اليوم لا يطالب بالمعجزات، بل يسأل ببساطة: هل يدرك المسؤول معنى أن يكون في موقع القرار؟ هل يفهم تبعات وجوده في منصب يُفترض أن يكون لخدمة الوطن والمواطن، لا مجرد واجهة للسلطة أو وسيلة للنفوذ؟
هل سيأتي اليوم الذي نشهد فيه مسؤولًا يعلن استقالته طواعية، احترامًا لضميره، واعترافًا بتقصيره؟ أم أن الكرسي، رغم كل الفشل، سيبقى مقدسًا لا يُفرّط به حتى وإن احترق المواطن بنار الإهمال والتقصير؟
إن الكارثة ليست فقط في الوقائع، بل في غياب ثقافة الاعتراف بالخطأ، وانعدام المبادرة بتحمّل العواقب. نعيش في دولة مؤسسات، ومن البديهي أن يُحاسب المقصر ويُكافأ المجتهد، لكن حين تغيب المحاسبة وتُنتزع الكفاءة من معادلة اختيار المسؤول لصالح الواسطة والمحاباة، فإننا نكرّس الفشل ونعمّق الإحباط الشعبي.
إلى كل من يتبوأ موقعًا رسميًا: إذا لم تكن قادرًا على أداء مهامك بما يليق بثقة الدولة والمواطن، وإذا لم تدرك أنك المسؤول الأول عن نتائج قراراتك، فالأجدر بك أن تترجّل احترامًا للمنصب ولمن أوصلك إليه.
فالاستقالة في دول العالم المتقدم ليست هروبًا من المسؤولية، بل قمة تجلياتها. أما عندنا، فما زالت ثقافة الكرسي أقوى من صوت الضمير.