بعيدًا عن لغو التحليل، وبعاطفة لا تعرف المجاملة، نكتب عن رجل من طينة الرجال الأصيلين، عن ظاهر بيك الطراونة، ابن الكرك، أرض السيف والقلم، ذاك الذي لم يكن يومًا مجرد ضابطٍ في سجلّ الخدمة العسكرية، بل كان مدرسة في الصرامة، والصدق، والحزم الجميل.
في مدينة الزرقاء، حيث لا تنام الماكينات ولا تهدأ الآليات، وفي زمنٍ كانت فيه رجولة المدن تُقاس بعيون الحرس وبريق الرتب، حلّ ظاهر بيك ضيفًا على مؤسسة من مؤسساتها، فكان الحضور الطاغي والصوت الجهوري والهيبة المهيبة، وكأن "قائدًا بكامل جبروته البدوي" دخل لتوّه ميدان الشرف.
من الكرك إلى الزرقاء.. بدايات لا تُنسى
بدأ ظاهر بيك خطواته في الزرقاء كضيف على دورة عسكرية، لكنّ القدر أراد أن يبقيه في المدينة التي تعجّ بالرجال، وتضجّ بالحكايات. فكان انتقاله الرسمي إلى هناك بمثابة بدء فصلٍ جديد من الحضور القيادي اللافت. ومنذ أول يوم، لم يكن ظهوره عاديًا، لا في نبرته ولا في أوامره ولا في تعاملاته.
أحاديث الزملاء، وطرائف الواجب، ومواقف لا تُنسى سطّرتها تلك السنوات، منها ما كان في مهام ميدانية حساسة، ومنها ما ارتبط بحنكة رجلٍ يعرف كيف يُدير الأزمة ويحتوي التوتر دون أن يفرّط بالحزم أو يُساوم على الكرامة.
كركيٌ لا يساوم.. وضابط لا يلين
هو من أولئك الرجال الذين يدافعون عن مرؤوسيهم حتى أمام المسؤولين، يقف معهم لا عليهم، وإن أخطأوا. ومواقفه معروفة لمن عايشه، كما في قصة الضابط الذي اتُهم بشتم نائب، فأبى ظاهر بيك أن يتخذ ضده أي إجراء تعسفي، رافضًا أن يُقدَّم جنديٌ على مذبح المجاملات السياسية.
ولأنه من الجيل الذي عاش بدايات التحوّل في الحياة السياسية الأردنية، فقد كان حاضرًا في مفاصل أمنية دقيقة، وكان جزءًا من معادلة أمنية لم تكن سهلة، لكنّه لم يُغيّر، ولم يتلوّن، وظلّ كما عُرف: شجاعًا، وفيًا، نظيف اليد واللسان.
بعد الخدمة.. ما زال قائدًا
حتى بعد تقاعده، لم تنتهِ حكاية ظاهر بيك. فقد استدعته دولة قطر، معلمًا وموجّهًا، لما عرف عنه من علم وخبرة وسُمعة عسكرية ناصعة. وما زال كل من خدم معه يذكره بتقدير، ويحدّث عنه كأنّه لم يغب، لا عن الميدان ولا عن الذاكرة.
تحية وفاء... لرجلٍ من زمن الرجال
ظاهر باشا الطراونة، ليس مجرد اسم في سجلّ الرتب، بل هو فصلٌ كامل من الرجولة الأردنية الخالصة، من الكرك إلى الزرقاء، ومن ميادين التمرين إلى ساحات القرار. رجلٌ إن مرّ اسمه على مسامعنا، نهضت فينا القيم القديمة، وتذكّرنا معنى أن تكون ضابطًا لا يخشى الحقيقة ولا يهاب المسؤولية.
تحية من القلب، من جيلٍ عرفك، وجيلٍ يستحق أن يسمع عنك.
حفظك الله وألبسك ثوب العافية، وأدامك سندًا لمن عرفك.