في لحظة خرس فيها الصدى، وتوقّف فيها الزمن عن الدوران احترامًا لعظمة الراحل، غيّب الموت أحد أعمدة التعليم العالي في الأردن، الأستاذ الدكتور يعقوب سليم المساعفة، العالم الجليل والرجل الوقور، الذي قضى عمره بين قاعات المحاضرات، ومختبرات الفيزياء، وأروقة الإدارة الجامعية، يصوغ العقول، ويهذّب الأرواح، ويغرس بذور النور في دروب الأجيال.
لم يكن يعقوب المساعفة رجلاً عاديًا، بل كان مشروع نهضة يسير على قدمين.
حين دخل الجامعة لم يدخلها ليُعلِّم فقط، بل ليرفع من شأن التعليم، ويمنحه روحًا لا تموت.
حصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء النووية من جامعة مانشستر البريطانية، لكنه لم يكتفِ باللقب، بل أصرّ أن يكون عنوانًا للأخلاق والعلم معًا.
من جامعة مؤتة التي أحبّته كابن بار، إلى جامعة الطفيلة التقنية التي قادها بفكر استراتيجي، كان صوته هادئًا كالمطر، وأثره عميقًا كالجذور. شغل مناصب أكاديمية وإدارية عديدة، لكن منصبه الحقيقي كان في قلوب زملائه وطلابه وكل من عرفه.
كان إذا دخل مكانًا، دخل معه الوقار. وإذا تحدّث، أنصت الجميع بإجلال. لم يكن يُربّي طلابًا فقط، بل كان يخلق رجالًا ونساءً للمستقبل. وكان كل من جلس إليه يشعر أن العالم ما زال بخير.
في الرابع والعشرين من نيسان لعام 2023، فُجِع الوطن بنبأ رحيله. صمتٌ ثقيل خيّم على المؤسسات الأكاديمية، ووجعٌ عميق سكن في عيون من أحبّوه. نعم، رحل الجسد، لكن بقيت المسيرة. ترجل الفارس، لكن بقي الأثر.
في وداعه، لم تنعِه جامعة الطفيلة التقنية فحسب، بل نعتْه قلوب الطلبة، وصدى القاعات، وأنفاس الكتب، وشرفات المختبرات. خرجت كلمات النعي باكية: "رحل من أعطى بلا كلل، من صبر على بناء، ومن كان ضوءًا لا ينطفئ".
لقد بكى عليه زملاؤه بكاء الرجال، وتأبّطه طلبته في دعائهم، وأغلقت صفحات الفيزياء دفترها لحظةً حدادًا على من جعل من العلم رسالة، لا مهنة.
يعقوب المساعفة.. لم تكن مجرد اسم في ورقة، بل كنتَ نهجًا، ومدرسة، ووصية أمة.
نمْ بسلام أيها الأستاذ الكبير، فقد خلّفت وراءك جيلًا لا ينسى، وأثرًا لا يُمحى، وسيرةً ستُروى ما دامت الجامعات تُبنى والعقول تُثمر..