في وطنٍ يؤمن أن التعليم هو نبض المستقبل، ظهرت سيدة لم تكن كغيرها من المسؤولين، بل كانت قلبًا نابضًا داخل الوزارة، وعقلًا يرى أبعد من الجدران والأرقام. إنها الدكتورة نجوى قبيلات، أول امرأة أردنية تتبوأ منصب أمين عام وزارة التربية والتعليم للشؤون الإدارية والمالية، سيدة جعلت من المنصب رسالة، ومن المسؤولية ميدانًا للعطاء الحقيقي.
حصلت نجوى قبيلات على بكالوريوس في الرياضيات من الجامعة الأردنية، ثم أكملت الماجستير والدكتوراه في تخصص القياس والتقويم، لتكون من القلائل الذين جمعوا بين العمق الأكاديمي والخبرة الميدانية. بدأت مسيرتها كـمعلمة رياضيات، ثم مشرفة، فرئيسة قسم، ثم مديرة إدارية ومالية في تربية مأدبا. لم تتوقف عند هذا الحد، بل شغلت منصب مديرة تربية في لواء ذيبان ثم الجيزة، وانتقلت لاحقًا إلى الوزارة كمديرة لإدارة التخطيط والبحث التربوي، حتى وصلت إلى موقعها الأبرز كأمين عام.
ولم تكن المناصب مجرد عناوين في سيرتها، بل كانت ميادين اجتهدت فيها، فزارت المدارس، وجلست مع المعلمين، وشاركت الطلبة أحلامهم وهمومهم، دون تكلف أو حواجز. باب مكتبها كان مفتوحًا للجميع، لا يحتاج المعلم أو ولي الأمر إلى موعد مسبق، فقط الدخول بثقة، لأن الداخل سيجد قلبًا يُنصت، لا أذنين رسميتين. ورقم هاتفها كان مع كل معلم ومعلمة، وكل ولي أمر، ليس مجاملة، بل لأن الإنسان عندها أهم من البروتوكول، وكانت قريبة من الناس كأنها تعيش بينهم، وتعرف تفاصيلهم وتشاركهم آمالهم.
في عهدها، أُطلقت مبادرات نوعية مثل مشروع "بيئتي الأجمل" بالشراكة مع جمعية الملكة رانيا، و"ملتقى تبادل الخبرات التربوية" وقت الجائحة، وشاركت في عشرات الجولات الميدانية في مختلف المحافظات لتفقد المدارس، والاستماع للميدان، واتخاذ قرارات فورية لتحسين البيئة المدرسية. لم تكن القرارات تصدر من خلف مكاتب مغلقة، بل من قلب الميدان، ومن وجوه الأطفال الذين يستحقون الأفضل.
وعندما أُحيلت إلى التقاعد عام 2023، لم تودّع التعليم، بل كتبت بكلمات صادقة: "لن أقول تربية ولم أقل معلم… لأن المعلم لا يتقاعد، بل يستمر عطاؤه حتى مماته." كانت تلك "استراحة محارب"، لا نهاية لمسيرة، لأن نجوى قبيلات لم تكن يومًا موظفة بدرجة، بل إنسانة برسالة.
نجوى قبيلات هي قصة نجاح لامرأة أردنية تجاوزت التحديات، وحملت التعليم على كتفيها كأمانة، فكانت الصوت الحقيقي للمعلم، والوجه الإنساني للمسؤول، واليد التي امتدت لكل من طرق بابها بثقة، والقدوة التي ستبقى في ذاكرة الميدان التربوي طويلاً.