مع صدور التقرير المرحلي لرؤية التحديث الاقتصادي، يتولد شعور بأن الأردن يمضي بثبات في مشروع مهم لإعادة بناء اقتصاده، بخطى محسوبة وإرادة واضحة.
قراءة مخرجات تقرير الربع الأول 2025، بالتوازي مع ملف الرؤية الاقتصادية المعتمد، تكشف عن استمرار العمل بجدية في مختلف القطاعات، ضمن رؤية تسعى لمواجهة التحديات وتحقيق نمو متوازن.
ومن المهم الإشارة إلى أن نشر هذا التقرير بحد ذاته يمثل خطوة إيجابية في مسار الشفافية ويعزز ثقة المواطن بجدية التنفيذ.
هذا التقدم يعكس أن ما بدأناه ليس مشروعًا عابرًا، بل مسار طويل الأمد نحو اقتصاد أكثر صلابة.
وما يميز هذه المرحلة أن الإنجازات تعبر عن فهم واضح لأولويات الدولة وإدراك لإمكاناتها. ومع ذلك، تظل الحاجة قائمة لمراجعة بعض المحاور لضمان استدامة النجاح.
وهنا تظهر حقيقة محورية: نجاح أي رؤية لا يعتمد فقط على متابعة الإنجاز، بل على قوة الحوكمة التي تحافظ على هذه الإنجازات على المسار الصحيح مهما تغيرت الظروف أو الأولويات.
فالمواطن لا ينتظر الأرقام وحدها، بل يطمئن حين يرى أن هناك من يحرس الطريق بثبات.
ومع تزايد الحديث عن التعديل وما يدور في ذهن القيادة، يبقى الأهم أن يُقرأ أي تغيير في ضوء نتائج هذا التقرير، لأنها المؤشر الحقيقي، وهي التي ستحدد الحاجة لتحريك الفريق إذا استدعى الأمر.
وبرأيي، نحن أمام أدوات قيادية اقتصادية قلّما شهدنا مثلها في السنوات الأخيرة؛ نهج وفكر واضح يمتد بخطط عميقة جغرافيًا، لكنه يواجه اختبار الزمن والتحديات، ويتطلب من الفريق التنفيذي مواكبة الإيقاع الذي تفرضه هذه الإدارة لضمان تحقيق الأهداف.
وهنا تبرز الحاجة لوقفة واضحة أمام القطاعات التي لم تحقق التقدم المطلوب، وفي مقدمتها الصناعات عالية القيمة والريادة والإبداع والتعليم المهني، بينما يغيب قطاع المياه تمامًا عن قائمة الإنجازات والتحديات رغم محوريته في استدامة التنمية.
من بين ما كان يمكن أن يعزز التقرير أيضًا، إتاحة آليات واضحة لإشراك المواطن في متابعة وتقييم التقدم؛ لنسمع صوته من كل محافظة وقرية، بلهجته الأردنية الأصيلة، ليكون شريكًا حقيقيًا لا مجرد متفرج.
فالمواطن اليوم لا يريد أرقامًا فقط، بل يتطلع لأن يكون جزءًا من القرار. ويبقى السؤال الحقيقي: هل وصل صوته؟ وهل نستطيع بالفعل أن نقول معه: "الآن فهمتكم”؟ عبر منصات تفاعلية ومؤشرات رضا تُنشر بانتظام.
ملف صناديق التمويل، هذا الملف القديم المتجدد، بحاجة لإعادة هيكلة جذرية؛ فهي ليست مجرد مصادر تمويل، بل أدوات استراتيجية يجب أن يُنظر إليها بعين الاستدامة لتحفيز القطاعات المنتجة.
جانب آخر يحتاج إلى تركيز أكبر هو بناء رأس المال البشري.
فرغم الإشارة في البرنامج التنفيذي إلى أهمية تمكين الكفاءات الوطنية كحجر أساس للرؤية، إلا أن التقرير ركز أكثر على القطاعات والمشاريع، وأغفل إبراز كيف سيعاد تشكيل القدرات البشرية لقيادة هذه التحولات وضمان استدامتها.
من المهم كذلك أن توضح الرؤية كيف تعزز موقع الأردن كلاعب اقتصادي إقليمي، من خلال جذب الاستثمارات وربط المشروعات الاستراتيجية بشبكات إقليمية، فالاقتصاد الحديث لا يزدهر داخل حدوده فقط، بل من خلال اندماجه الفعال في محيطه.
ولزيادة الشفافية والوضوح، سيكون من المفيد مستقبلاً أن تترافق الأرقام مع نسب الإنجاز مقارنة بالمستهدف، بما يتيح للمواطنين والمراقبين تقييم الأداء بدقة.
في النهاية، هذا الطرح لا ينتقص من حجم الجهود المبذولة، بل يعبر عن حرص على الوصول بالرؤية إلى أفضل صورة ممكنة، فالأردن يستحق أن يواصل مساره، ويبني قصة اقتصادية تتمحور حول التحول الحقيقي، ليصبح النجاح ملموسًا في تفاصيل حياة كل أردني وأردنية.