كنت أسمع أمي تردد عبارة باستمرار بلهجتها الصادقة: "الله يهدي البال”. كانت تهمس بها وهي تنظر في الفراغ، أو ربما في وجعٍ لا أراه. كنت صغيرة، لا أفهم. وكنت أستغرب، لماذا لا تقول: "الله يرزقنا”، أو "الله يعطينا مالاً”، خاصة أننا كنا نعيش ضيق الحال. كنت أظن أن المال هو ما نفتقده، هو ما يلزمنا، هو ما ينقصنا.
لكن أمي، التي لم تدخل المدرسة، كانت تعرف ما لا نعرفه. كانت تدرك أن المال يُمكن أن يُكتسب، وأن الحياة لا تُقاس بعدد الدنانير في الجيب، بل براحة القلب وطمأنينة الفكر. لم تكن تقرأ كتب الفلسفة، ولا تحمل شهادة جامعية، لكنها امتلكت الحكمة التي لا توضع في مناهج، ولا تُمنح مع شهادات التخرج.
ومرت السنوات، ودارت الحياة. درست، وتخرجت، وعملت، واختبرت من الدنيا وجوهها الكثيرة. وجدت المال أحيانًا، وضاع البال كثيرًا. عرفت أن المال لا يشتري نومًا هادئًا، ولا ضميرًا مرتاحًا، ولا لحظة صفاء داخلي. رأيت من يملك الملايين ويشكو الأرق، ومن يعيش في القصور ويهتز داخله من القلق والخوف والتفكير.
عندها فقط، فهمت أمي. عرفت أن "هداة البال” هي أثمن عطية، وأغلى من كل كنوز الأرض. فهي تعني طمأنينة داخلية، وسلامًا مع الذات، وقدرة على تقبّل الحياة بما فيها،
رحمكِ الله يا أمي، كنتِ أمية في القراءة، لكنكِ فهمت الحياة