يُعتبر الكتاب أعلاه مرجعية تاريخية هامة حول أهمية الوجود العربي المسيحي الأصيل في البلاد العربية والعلاقات الإسلامية-المسيحية منذ أربعة عشر قرناً، إذ يستعرض الكتاب في ثناياه حقائق تاريخية حول تاريخ تلك العلاقات التي ابتدأت منذ فجر الإسلام في القرن السادس الميلادي والتي قلّما تَجدُها في مجلد واحد، حيث يستعرض الكتاب الواقع التاريخي كما كان من غير أن يغفلَ عن أنَّ حركة التاريخ هو حركة مستمرة ولا يجب الوقوف عند نقطة بعينها، بل يجب دائماً السعي نحو تحقيق الكرامة الإنسانية وتعزيز مفهوم حقوق الإنسان والمساواة في بلادنا المشرقية التي تجمع معاً المسلمين والمسيحيين لأنهم أبناء وطن واحد رغم اختلاف عقائدهم وطقوسهم وممارساتهم، لكنهم يبقون شركاء في بناء أوطانهم لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، يؤسسون لعدالة تامة ومساواة كاملة في مواطنة حقيقية تصون الحقوق للجميع وتضع الجميع على مستوى واحد من المساواة والعدالة.
وكما أنَّ هناك في التاريخ نقاط مضيئة هناك أيضاً الكثير من النقاط المظلمة، ولكنها لا يجب تشكل عائقاً أو عقبةً في عصرنا الحاضر في السعي الجاد معاً والعمل لبناء الأوطان وتعزيز مبدأ الكرامة الإنسانية للجميع بعيداً بغِّضِ النظر عن الإنتماء الديني أو الطائفي، وكذلك في تكريسِ مبدأ الحريات المتعددة وعلى رأسها الحرية الدينية التي يشير إليها في مقدمة الكتاب باقتباسٍ من كلمات قداسة البابا بندكتوس السادس عشر بأنها تاج كل الحرّيات.
وفي خلاصةٍ أشار إليها الكتاب مفاهدها أنَّهُ وإن كانت أغلب الدساتير تنّص على المساواة في الحقوق والواجبات غير أن هناك بعض البنود ينبغي إعادة النظر فيها لتتحقق المساواة الفعلية ولإبطال أي تمييز وحيثما ورد، سواءٌ في أمر الحرية الدينية أو بما يتعلق بمنظومة وأحكام الأحوال الشخصية وغيرها.
وفي إشارة الكتاب إلى العرب المسيحيين فهو يؤكد أنهم عرب أقحاح وُلدوا من رحم هذا الشرق العربي ومن قبائل عربية منحدرة من الأصل السامي التي كانت متوطنة في شبه الجزيرة العربية. وفي الأردن فإنَّ المواطنين الأردنيين يدركونَ الحقوق التي كفلها لهم الدستور، كما ويدركون الواجبات المترتبة عليه ويعملون على الإلتزام بها، ويسعون لتعديل قوانين معينة ولتطوير أساليب التربية والتعليم والثقافة لتغيير الذهنيّة السائدة.
ومن الجدير بالذكر أنّه منَ الثوابت أنَّ المسيحيين العرب تتجذر في أعمالهم محبةُ أوطانهم كما أنهم يفتخرون بقوميتهم العروبية وبهويتهم الوطنية والدينية. فالكنيسة المحلية في الأردن تحقق نفسها وكيانها في مجتمعها وتندمج في أصالة الحضارة العربية، وتعَّدُ جزءا منه، ولا يمكن فصلها عنه، وتعمل على تعميق هويَّة المسيحيين فتغرسَ أقدامهم في الأرض في إطار خدمتها الروحية. والأردنيون المسيحيون لن يكونوا بمعزل عن التحديات التي يتعرض لها الوطن وحرصهم بالغ ومشهود له في الدفاع الوطن والنهوض به من أجل مستقبل مشرق أفضل لأبناء الوطن كلهم.
والكتاب يشير بوضوح إلى النموذج الأردني في العيش معاً، وبالجهود التي تُبذل للإرتقاء بالعلاقات الإسلامية-المسيحية لتكون لا على مستوى التعايش فقط بل للعيش معاً، والعملِ أيضاً على تعزيز الحقوق والحرّية وكرامة الإنسان. ويؤكد الكتاب على أن التربية على حقوق الإنسان وحرّية الضمير تشكل عنصراً مهما للغاية لبناء الأفراد في المجتمع وهذا ما يجب أن يُعزَّز ويُطوَّر لما فيه الخير العام.
وما يتميز به الإردن هو قيادة هاشمية حكيمة تشتشرف المستقبل وتعمل على الخيرالعام، مما ساعد على إبقاء نسيج أبناء الوطن الواحد متماسكاً ونموذجاً للعالم كله. ويبقى ولاءُ أبناء الأردن المسيحيين كما المسلمين لقيادتهم الهاشمية موضوع غير قابل للشك تؤكده سيرتهم ومُجمل مواقفهم على مرِّ العقود التي مضت من الزمن، والحال نفسه بالنسبة إلى عشقهم لوطنهم وتضحياتهم من أجله.
جهد كبير استغرق عشرة سنين لوضع هذا الكتاب القيّم. وتبقى المواطنة هي العنوان والباقي تفاصيل..