يهتم الكثير من علماء النفس وعلماء الإجتماع بالإنسان وخصوصا في عصرنا الحديث لما له دور مهم بالنهوض في المجتمع وتطويره، ومع تزايد الضغوط الحياتية التي تصادفنا فإن الإصابة بالمشكلات النفسية كالقلق والاكتئاب المرضي أمر يكاد محقق، خصوصا في ضل التحديات والازمات المتراكمة فإن دراسة الصلابة النفسية لدى الأفراد والعوامل المؤثرة سلبا أو إيجابا عليهم يعد من أهم المجالات المهمه للدراسة النفسية الحديثة، بالإضافة إلى اهتمام متخصصي التنمية البشرية بالصلابة النفسية لزيادة معدلات الإنتاج والوصول للهدف المنشود، وهذه الأمور تنعكس إيجابا على صلابه الفرد النفسية من خلال التفاعلات اليومية وإدارة الأزمات بصورة عقلانية وسلمية.
ومع ازدياد المشاكل والضغوطات النفسية لدى الأفراد فإن إفراغ بعض المساحات الزائدة التي لامعنى لها وتسبب لهم إزعاجا كبيرا وتدخل الفرد في حاله من الصراعات الدائمة يعد من الضروري إعادة صيانة ما بداخله وتنظيف الشوائب العالقة أولى فمفهوم التحمل النفسي أو الصلابة النفسية تعد قدرة الفرد على تحمل ومواجهة قدر عال من الضغوط دون أن يصاب بأي أعراض نفسية أو بدنية سلبية، كما تختلف قوة التحمل النفسي من فرد إلى آخر وفقا لعدة عوامل هي شخصية الفردوخبراته، وتتمثل تلك العوامل بقوة السيطرة على اختيار البدائل المناسبة لحل المشكلات المختلفة مع الثقة الذاتية في القدرة و امتلاك المهارات للتعامل مع اللازمات لمواجهة الضغوط وعدم الاستسلام، كذلك وجود صفتي الالتزام والتحدي لدى الفرد وتمسكه بمواجهة التحديات والوصول إلى الغاية التي يتطلع لها، وتحمل الإحباطات المختلفة التي تنتج عن الفشل.
وتعد الصلابة النفسية مزيج من ثلاثة مواقف حياتية هي" الالتزام، التحكم، التحدي"والتي بدورها توفر الشجاعة والحافز اللازمين لتحويل الظروف الصعبة إلى فرص كبيرة للنمو الشخصي، ومن خلال مابدأنا به الحديث عن الصلابة النفسية نلحظ أن أنها لا تقتصر على الشق الدفاعي فقط، بل تتعدى للشق الهجومي الذي يحول الإنسان الذي يتمتع بالصلابة النفسية إلى شخص مهتم بالتطوير والتحسين الذاتي وكما يقول البعض يحول المحنة إلى منحة، وترتبط الصلابة النفسية أيضا بمفاهيم كثيره منها " التقبل، التحمل، الجلد، التعافي، الارتقاء" ، وتعد أيضا من عوامل الوقاية، وتحسين جودة العلاقات الاجتماعية المتبادلة مع الآخرين، والقدرة على إدارة المرء لحياته بفاعلية أكبر عند امتلاك الإحساس بالسيطرة على زمام الذات، وتقليل احتمالات المعاناة من الإكتئاب والقلق المرضي.
ويرتبط مفهوم الصلابة النفسية بتنمية الصحة النفسية من خلال الصعوبات والمعيقات التي تنشط ما يسمى بالعتاد النفسي لمواجهة وإثبات الذات بكافة الظروف، كما تتضمن العوامل التي تساعد على سرعة التعافي ويرتبط ذلك بمدى قوة جهاز المناعة ومستوى القوة والحصانة النفسية التي يتمتع بها الشخص ومستوى الخبرات الإيجابية التي تعايش ويتعايش معها بشكل مباشر وقد كونت له هذا السياج المنيع.
وإن أهمية الصلابة النفسية ترتبط بخصائص الأشخاص ذوي المستويات المرتفعة منها، ومدى انعكاسه عليهم وعلى نوعية ومستوى الجودة في حياتهم، ومن أبرزها:
1 - العلاقات الاجتماعية التي تنطوي على المرونة النفسية وتلقي المساندة الانفعالية، وهذه الارتباطات الانفعالية حاجة إنسانية أساسية للفرد تدفع باتجاه تأسيس وإقرار الإحساس بالانتماء والحب ، فضلا عن كونها مصدرا للطمأنينة والأمن والسلام النفسي.
2 - الإحساس بالاستقلالية والاعتماد على الذات والقدرة على اتخاذ القرار دون الانصياع للآخرين، ومن المهم هنا الاعتزاز بالذات وهو يرتبط بطبيعة الاندفاع الإيجابي لإثبات الذات وزيادة إمكانية تحمل الانتكاسات والإحباط، وتعد القدرة على تحمل الإحباط والضغوط بشكل عام أحد أهم عوامل الوقاية من الانخراط في الاضطرابات النفسية والسلوكية.
3 - مستوى مرتفع من مهارات حل المشكلات، و القدرة على التفكير قبل عمل الشيء،وبالتالي التريث وتجنب الاندفاع والتهور، ممل يقلل من احتمال الأخطاء أثناء التفاعل الاجتماعي مع الآخرين أو أثناء حل المشكلات.
4 - نظرة إيجابية للذات والإحساس بشكل عام بالثقة والقدرة والكفاءة المطلقة.
5 - القدرة على إدارة الانفعال والمشاعر القوية السلبية منها والإيجابية، كما أن الصلابة النفسية تمكن الفرد من الإدارة الإيجابية الفعالة لهذه الانفعالات والمشاعر على مستوى "التفهم، التنظيم، الضبط، التعبير"
6 - مستوى مرتفع من المثابرة والاجتهاد، وهذه خاصية ضرورية للجهاد مع الذات والتحمل والصبر بغض النظر عن الصعوبات والمشاكل، وبالتالي الاستمرار في طريق تحقيق الذات تحقيقا إيجابيا باعتبارها غاية أساسية ومؤشرا رئيسيا للصحة النفسية.
ومن المكونات الأساسية الضرورية للصلابة النفسية هي القدرة على تعديل سلسلة الأفكار ، فمن السهل جدا أن يشعر الإنسان في الضيق والكدر الانفعالي حال مواجهته متاعب أو مشاكل أو أحداثا صادمة بل قد يصل الأمر بالبعض إلى الشعور باليأس والعجز، وهنا ربما يكتب الإنسان لنفسه شهادة وفاته نفسية نظرا لعدم استطاعته تقبل وتحمل الواقع، وعليه تأتي الأهمية الوقائية للصلابة النفسية بوصفها خاصية أو سمة شخصية تمكن الفرد من التمتع و الاحتفاظ بتفاؤله واستبشاره واندفاعه نحو المستقبل مهما كانت الظروف، وهذا يتجسد بتوقع الفرد الأفضل والنظر إلى الأحداث الإيجابية ، وكل هذا متوقف على قدرة الإنسان على تغيير أنماط التفكير السلبية وتوظيف التفكير الإيجابي للتخلص من المعاناه، وهناك أهمية أخرى يجب عدم اغفالها وهي مصادر المساندة والدعم في البيئة التي يعيش فيها وهي مهمه جدا وأساسية.
كما أن من أهم وأبرز العوامل التي تؤدي للصلابة النفسية هي الإيمان التام بقضاء الله وقدره ، فكلما ازداد إيمان ويقين الإنسان بقضاء الله وقدره، ، كلما ازدادت الصلابة النفسية لديه، وازداد التحمل والتقبل لقضاء الله وقدره، وكلما اقترب الإنسان من الله ازداد أنسه وأمله، وقل اليأس والإحباط لديه.