شهد العالم بعد أزمة كوورنا انخفاضا للنشاط الاقتصادي ولمستويات التشغيل بشكل كبير، والذي أثر بدوره على آفاق نمو النشاط الاقتصادي العالمي. إن الأزمة التي أوجدتها هذه الجائحة واستمرارها سيقود إلى ركود في أكبر الاقتصاديات على المستوى العالمي كما هي اقتصاديات الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والصين، وكذلك على مستوى الاقتصاد العالمي بأكمله. ووفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي فبدلا من التوقعات لعام 2020 بزيادة النمو الاقتصادي العالمي بنسبة 3.3% إلا أنه يمكن أن ينخفض بسبب الجائحة إلى 3%، كما سيتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي في الأسواق الناشئة، بما في ذلك في الصين والتي بحسب صندوق النقد الدولي سيهبط فيها نمو الناتج المحلي الاجمالي إلى 1.2%، وهو الادنى منذ سبعينيات القرن الماضي. وفي حال تراجع الوباء في النصف الثاني من هذا العام، وفعالية التدابير المتخذة للحد من آثاره السلبية، يتوقع الصندوق حدوث انتعاش في النمو للناتج الأجمالي العالمي لعام 2021 بنسبة 5.8%.
ويقر كل من الاقتصاديين والسياسيين أن الاستقرار في الناتج والتضخم يعود الى السياسة النقدية وقد فقدت السياسة المالبة بريقها منذ ازدهارها في الستينات ويعود ذلك إلى الاهتمام بعجوزات الميزانية الكبيرة وبسبب الشك في أن النظام السياسي يمكن أن يجعل قرارات الانفاق والضرائب في الوقت المحدد للوصول إلى الاستقرار المرغوب به.
وتعتبر السياسة النقدية أداة قوية إلا انها في بعض الاحيان لها نتائج غير متوقعة او حتى غير مرغوبة وللنجاح في ادارة السياسة النقدية يجب أن يكون لدى الادارة تقييم وتقدير دقيق لتوقيت وتاثير هذه السياسة على الاقتصاد وهذا يتطلب فهم للميكانيكية التي تؤثر فيها هذه السياسة على الاقتصاد.
وتشمل وسائل نقل الاثر تأثيرات سعر الفائدة وتاأيرات سعر الصرف وتأثيرات أسعار الأصول وقناة الائتمان.
وسأتناول في هذا المقال تاثيرات سعر الفائدة حيث ان انخفاض عرض النقد يؤدي الى ارتفاع سعر الفائدة الحقيقية مما يؤدي الى زيادة تكلفة رأس المال وبالتالي انخفاض في الانفاق الاستثماري ومن ثم انخفاض في الطلب الكلي وانخفاض الانتاج .
وقد قام البنك المركزي الأردني باتخاذ حزمة من الاجراءات التوسعية و توفير السيولة وتوفير تمويل للمنشآت الصغيرة والمتوسطة وتوسيع النوافذ المالية القديمة وجعلها أقل مدة وأكثر تسهيلاً، وتوفير السيولة للقطاع الخاص بهدف استقرار الوضع المالي والحفاظ على سعر صرف الدينار بواسطة سياسة محكمة حتى تكون المتغيرات المصرفية صحيحة وقد قرر البنك المركزي اتخاذ حزمة من الإجراءات الاحترازية وذلك بهدف احتواء التداعيات السلبية لفيروس كورونا المستجد على أداء الاقتصاد المحلي.
وفي منتصف آذار الماضي، خفض البنك المركزي الأردني سعر الفائدة الرئيسي 100 نقطة أساس إلى 2.50%، في خطوة هي الثانية من نوعها، فيما يقرب من أسبوعين لتنشيط الاقتصاد المتضرر من جراء فيروس كورونا وقد جاءت هذه الخطوة عقب قرار مجلس الاحتياطي الاتحادي الأمريكي، خفض الفائدة لما يقارب الصفر من أجل تخفيف وقع الجائحة الفيروسية على الاقتصاد.
كما طُلب البنك المركزي الأردني من البنوك التجارية الأردنية تأجيل دفع الشركات لأقساط القروض والسماح بإعادة جدولة القروض الفردية دون غرامات، لتخفيف الخسائر التي لحقت بالقطاع الخاص ومساعدة المقترضين الأفراد.
ويواجه الأردن قائمة تحديات بينها أن متوسط نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي لا يزال في حدود 2-2.5% فقط منذ عام 2010، والبطالة لا تزال مرتفعة، خصوصاً بين فئتي الشباب والنساء، وفقاً لصندوق النقد.
وتشكو الشركات من ضعف ثقة المستثمرين مع تأثر بعض القطاعات سلباً جراء تباطؤ وانخفاض الربحية.
وكشفت الحكومة النقاب عن عدد من إجراءات التحفيز في الأشهر القليلة الماضية، من خفض الرسوم على المعاملات العقارية إلى منح حوافز للمصدرين والصناعة لإحياء أنشطة الشركات الراكدة.
تعد قضية الاستقرار النقدي في الأردن قضية اساسية واستطاع الأردن الحفاظ على الاستقرار النقدي من خلال تدخل البنك المركزي والودائع في البنوك، وقد أعرب جلالة الملك عبدالله الثاني عن ارتياحه لدور البنك في الحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي ودعم النمو الاقتصادي في المملكة
كما ضخ البنك المركزي نحو مليار دينار عبر تخفيض الاحتياطي الإلزامي وقال المركزي في بيانه، إنه من الإجراءات التحفيزية ضخ سيولة إضافية للاقتصاد الوطني بقيمة 1050 مليون دينار من خلال تخفيض الاحتياطي النقدي الإلزامي على الودائع لدى البنوك من 7% إلى 5 % . وإجراء اتفاقيات إعادة شراء بموجبها جرى ضخ 500 مليون دينار ، كما عمل على تخفيض كلف التمويل وزيادة الآجال للتسهيلات القائمة والمستقبلية للقطاعات الاقتصادية، بما فيها المشاريع المتوسطة والصغيرة من خلال برنامج البنك المركزي لتمويل ودعم القطاعات الاقتصادية لتمكين هذه القطاعات الاقتصادية من المحافظة على أعمالها وموظفيها ومواصلة نشاطاتها وتقديم خدماتها خلال ظروف وإجراءات احتواء فيروس كورونا وتمكينهم أيضاً من استئناف نشاطاتهم بالمستويات الطبيعية وتوسعة أعمالها خلال المراحل القادمة.
و هناك ضرورة لاحلال الانتاج المحلي محل المستورد كوسيلة للنمو، وايلاء البعد الاجتماعي أهمية ومنح الحماية الاجتماعية المزيد من الاهتمام كما يجب مساعدة القطاع الخاص على اغتنام الفرص المتوفرة حاليا.