هذه سنَّةُ الحياة أن نأخذ بيد أولادنا ليكبروا، نرافقهم في صغرههم ونعتني بهم ونزرع فيهم كلمة الله والحب والانفتاح والتعلم والمعرفة والثقافة ليقدروا بالتالي على الخوض في مضمار الحياة الإنسانية، والسير بها في خطها المستقيم للأمام. فما بَنَيْنَا عليه نسلِّمه لأولادنا أمانةً ووديعة، ليقوموا هم بدورهم بالبناء عليه في ظل المتغيرات الكثيرة والسريعة التي تجتاح عالمنا من تقدُّم علمي وتكنلوجي ومعرفي يتطور تطور البرق، والذي قد غير شكل عالمنا الحديث، ولا أحد أن يعرف كيف سيكون عليه شكل العالم القادم.
فطالما هناك عقل بشري وفكر حرٌّ طالما استمر تطور العالم واكتشاف اسراره وسبر اغواره، وهذا مطابق وليس مخالف لإيماننا، فإن كان بحث الدين في معنى الوجود وغاية الحياة، فإن بحث العلم يفسر ظواهر العالم ويتكشف آلية وميكانيكة عمله التي تخضع تحت سلطان ربِّ الوجود وخالقه.
لذلك، فنحن نمسك بيد أولادنا لا لتكونَ حياتُهم عبثاً، بل لتكون استمرارية سلسلة بشرية عالمية في التعرُّف على خصائص هذا الكون، والذي كلّما فهمناه أكثر كلَّما اقتربنا من خالقنا أكثر. وإمساكنا ليد أولادنا هو واجب مقدس علينا لنقودهم ونضعهم على الطريق الصحيح. وكم نحزن عندما نرى الأميَّةَ تتفشى في وطننا العربي الكبير الممزق والغارق في الاقتتال الداخلي العرقي والطائفي والديني، وكذلك عندما نرى التراجع في الفكر والثقافة وظاهرة التسرب من المدارس والعداء للكتاب الذي وصفه المتنبي بأنه خير جليس بقوله "أعز مكان في الدنى سرج سابح .. وخير جليس في الزمان كتاب".
فإذا كانت يَدُنَا البشرية تُمْسِكُ بيمين أودلانا، فما أحرانا بيد الله التي تُمسك بيمِينِنَا حتى في أحلك الظروف وأصعبها. يقول سفر المزامير " أمسكت بيدي اليمنى، برأيك تهديني وبعد إلى مجد تأخذني" ( مز 73: 23) .فما أجملَ أنْ نشعرَ بأنَّ يدَ أبينا السماوي تمسك بيدنا اليمنى، لأنه "لن يدع رجلك تزل ولا ينعس حافظك أو ينام، وهو ظل لك عن يدك اليمنى، فلا تضربك الشمس في النهار ولا القمر في الليل".
والأروع هو هداية الله لنا بمشورته السماوية، فحياتنا تقف على مفترقات عدة، ولا نعرف أحياناً كيف نسلك أو أي طريق نختار، فنحتاجُ إلى المشورة الحقَّة والصادقة الآتية من العُلى، والتي نحتاج أن نصغي إليها لنسمع صوت الله يكلمنا ويرشدنا ويهدينا لنميِّزَ ونختار الأنسب والأفضل لنا. فالله لا يتركنا لوحدنا، وإن كان يعرف كل شيء، فهو "قابض قرعتنا"، و يمنحنا القدرة على اختيار ما يناسب حياتنا ويكمِّل رسالتها. عندها يكون لنا المجد الحقيقي الغير زائل، فأمجاد الدنيا تزول مهما عَظُمَتْ ومهما سَمَتْ، ولكنَّ المجدَ الحقيقي الذي نسعى له هو ذلك المجد الدائم الذي يُعده الله للذين يحبونه وبالتأكد سيكلننا به.