لم يُخلق الإنسانُ عبثاً، ولم يُخلق فقط ليعيشَ، بل ليحيَا، والفرق بين الإثنين شاسعٌ جدا، فكلُّ المخلوقات لها ما تعتاش عليه لأنَّ رب السماء خلقها وأوجدَ قوتها، "فانظروا إلى طيور السماء إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن وأبوكم السماوي يقوتها، ألستم أنتم بالحري أفضل منها؟" (مت 26:6) وأما الإنسانُ فقد خُلق ليحيا حياةً جوهرها محبةُ الله وفكرُ الله وعدلُ الله. فإقامةُ العدلِ في الأرض هو واجبٌ مقدسٌ علينا أن نحيا لأجله وإن كانت عدالة الأرض نسبيبة كما جاء في إحدى مؤلفات أول أمرأة عربية قاضٍ هي القاضي الأردني تغريد حكمت بعنوان "عدالة الأرض وعدالة السماء"، فإن كانت عدالة السماء تامة فعدالة الأرض تبقى نسبيه، ومع ذلك فإجتهادنا كبشر أن نقيم العدل والحق والمساواة، واذا حكمتم فاعدلوا " وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا"[الأنعام: 152].
ومن هنا عندما نتكلم عن السلام بين البشر فإننا نشير إلى السلام القائم على العدل، فلا سلام بين البشر دون تحقيق مبدأ العدالة، فالعدالة لا تتجزأ ولاتتقادم مع الأيام ولا تُمحى، بل وإن حُجبت إلى حين لكنها ستشرق بنور فجرٍ جديد.
فليسَتْ حياتُنا إذا عبثاً، إنما حياتنا هي انعكاسٌ لفكر الله وقلب الله واسم الله. ونحن مدعوون بصالح أعمالنا أن نقدِّسَ اسم الله بيننا لا أن ندنّسه ونخون الأمانة. فالأعمال الصالحة هي صُلب حياتنا التي نحياها، وبدونها نتجرد من قيمتنا الإنسانية، وهي ما ستشفع لنا أمام رب العرش العظيم. صحيح أننا نخلصُ بإيماننا بنعمة الله علينا، ولكن عبثاً يكون ذلك الإيمان المجرد الخالٍ من كلِّ مضمون ومن صالحِ الإعمال التي تختم على صدق إيماننا بخالقنا الذي خلقنا وجدد أورواحنا لأعمال صالحة أعدَّها الله لنا لنسلك فيها.
كلنا سنرحل يوماً، ولكن سيذكُرنا الناس بسيرتنا الطيبة وجليل أعمالنا وانجازاتنا التي ستقف شاهدة على صدق إيماننا وأصالته. فلا نكن شجرة عاقر بل شجرة مثمرة حتى ولو ضُربنا بحجارة كثيرة كما يقول المثل " الشجرة المثمرة ترمى بالحجارة"، فما ينفع الناس من صالح الإعمال يبقى في الأرض ورائحتها تطالُ السماء.